طموحات الجمهورية الإيرانية، منذ قيامها عقب انتصار “الثورة الإسلامية”، وتوجهاتها المتعلقة بما يطلق عليه “تصدير الثورة” إلى دول المنطقة، لم تكن موضع شك لدى صناع القرار في دول الخليج العربية، لكن سبل مواجهة هذه الطموحات وصفت من قبل خبراء ومحللين استراتيجيين خليجيين بالقصور، محذرين من تغلغل النفوذ الإيراني المتزايد في هذه الدول، لا سيما تلك التي تحتضن جاليات شيعية.
وتعد الكويت إحدى هذه الدول، ولأنها تتسم بأجواء خاصة مقارنة بالدول الخليجية؛ كالانفتاح وحريات الصحافة والإعلام، مع حضور جالية شيعية فاعلة، بالإضافة إلى موقعها القريب من الحدود الإيرانية، فقد كانت وجهة رئيسية لتمدد النفوذ الإيراني.
ويشير الكشف عن خلية شيعية تابعة لحزب الله اللبناني، المرتبط بإيران، في الكويت، إلى أهمية هذا البلد الخليجي في نظر صانع القرار الإيراني، كما يشي حجم السلاح المهول الذي راكمه أعضاء الخلية عبر أكثر من 15 عاماً، والذي اكتشف في حُفر مصفحة أقيمت في مزرعة قريبة من الحدود العراقية، إلى حجم النشاط الذي يمكن أن تكون الجمهورية الإيرانية منخرطة فيه، لا سيما بالنظر إلى أن اعترافات المتورطين أكدت أن أنهم وردوا السلاح من إيران عبر البحر.
لوبي شيعي
وتختلف التقديرات حول حجم الأقلية الشيعية في البلاد؛ فبينما تشير مصادر غير رسمية إلى أنها تتراوح بين 10 و20% من سكان البلاد، تصر المؤسسات والجهات المحسوبة على الشيعة على الحديث عن نسب أعلى من ذلك.
ونظراً لأجواء الانفتاح التي تعيشها الكويت، فقد أسس شيعة موالون لإيران “لوبياً” ضخماً، وصفه بعض المراقبين بأنه يفوق حجمهم الحقيقي في البلاد بكثير، وقد استطاع هؤلاء تأسيس صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية، فضلاً عن امتلاك مؤسسات تجارية عديدة.
ففي الصحافة، يمتلك الشيعة صحيفة “الدار الكويتية”، التي وصفت دخول القوات السعودية لأراضي البحرين عام 2011 بـ”الاجتياح”. كما يمتلكون صحف الصباح والنهار ومجلة اليقظة. أما في التلفزيون، فلديهم قنوات العدالة والأنوار وفنون والساحل.
ويضاف ما سبق إلى انتشار الصحفيين الشيعة بأعداد كبيرة في معظم الصحف اليومية، لا سيما الرسمية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يشير المنتقدون لتعاظم حجم اللوبي الإيراني في الكويت، إلى الملياردير الكويتي الشهير محمود حيدر، كوهين الكويت، كما تسميه المعارضة الكويتية. ويمتلك حيدر عدداً من المؤسسات الصحفية والإعلامية، والشركات التجارية.
ولدى رجال الأعمال الشيعة الموالين لإيران في الكويت مؤسسات مصرفية ومالية وتجارية ضخمة؛ منها البنك الدولي، وبنك الخليج، وشركات نفطية، والكثير من محطات الوقود.
ويحذر كتاب ومحللون كويتيون من التغلغل الممنهج للشيعة في المؤسسات الحكومية، مثل الشرطة والمباحث والقوات المسلحة.
قوة سياسية
وأفرزت آخر انتخابات لمجلس الأمة الكويتي، أجريت عام 2012، صعود 17 نائباً شيعياً للمجلس، وسط مقاطعة المعارضة للانتخابات.
وفي إجراء ينم عمّا يمثله هذا الصعود من مشاكل للكويت، لا سيما ما يخص سياستها الخارجية وأمنها القومي، تقدم النائب الشيعي، عبد الحميد دشتي، بطلب لرئيس مجلس الأمة لاستجواب وزير الخارجية، صباح الخالد الحمد الصباح، حول ما دعاه دشتي “العدوان على اليمن”، قبل أن يسحب طلبه لاحقاً.
شبكات تجسس
من جهة أخرى، أعلنت الكويت الكشف عن شبكات تجسس لطهران مؤلفة من كويتيين، وذلك في حوادث تكررت، لتسلط الضوء أكثر على حجم الاهتمام الإيراني بهذا البلد الخليجي الذي يشارك العراق في حدوده الجنوبية، وهو ما يضفي أهمية خاصة على موقع الكويت بالنسبة للسياسة الإيرانية.
وأعرب الدكتور عبد الله النفيسي عن مخاوفه من أطماع إيران بالكويت، معتبراً أن هذا البلد “مطروح كبديل لسوريا بالنسبة لإيران”، مضيفاً: “أنا خائف من هذا الأمر”، في مقابلة له مع صحيفة الوئام السعودية.
وفي تصريحات نسبت له في أغسطس/ آب 2012، قال رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لارجاني: “إذا سقطت سوريا فستسقط الكويت”، وهو التصريح الذي نفاه مسؤولون إيرانيون لاحقاً للسفير الكويتي في طهران، مجدي الظفيري. ورغم النفي فإن التصريح دفع المثقفين الكويتيين إلى دق ناقوس الخطر، والتنبيه من نيات إيران تجاه الكويت.
المرشح السابق لمجلس الأمة الكويتي، المعروف بمناهضته للنفوذ الإيراني في الكويت، عبد القادر الجاسم، انتقد تقارب بلاده مع إيران، مشيراً في هذا الصدد إلى أن توثيق علاقة الكويت مع هذا البلد ينعكس سلباً على العلاقة مع السعودية.
وقال الجاسم، في مقالة له نشرت في صحيفة جازان السعودية: إن التقارب الكويتي الإيراني “مبالغ فيه”، عازياً هذا التقارب إلى خشية الكويت من أن تكون هدفاً لغضب إيران في حال تعرضت لضربات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية.
وتتمتع الكويت تقليدياً بعلاقات صداقة مع الدول التي اتخذت موقفاً مناهضاً لغزو صدام حسين، الرئيس العراقي الراحل، لها إبان الحرب الخليجية الثانية عام 1991، ومن ثم فإن علاقتها مع إيران بدأت من هنا.
لكن خبراء يرون أن هدف الكويت من التقارب مع إيران لا ينطبق على أهداف الطرف الآخر من هذا التقارب؛ إذ إن طهران في إطار مساعيها للهيمنة على الخليج العربي والتحكم بمفاصله، تواصل تضييق المنفذ المائي- الضيق أصلاً- للعراق على الخليج، وذلك في محاولة لاستغلال نفوذها، الذي قد يتبدد في المستقبل؛ ما يحتم عليها تعجيل فرض هيمنتها على مقدرات من يحكم بغداد.