ظلت إليزابيث جيلبرت تعاني من الإحباط إثر فشل علاقتها الزوجية، أغلقت الستائر وغاصت في الدوامة، صارت تصحو ليلاً لتغلق على نفسها باب الحمام، تبكي وتعاني من غثيان قاتل، حاولت علاج الفشل بحب آخر لكن ذلك لم يقدها إلى الشفاء الذي كانت تبحث عنه، لأنها كانت تدور في الحفرة نفسها، أيقنت أنها إذا أرادت أن تشفى وترى الأمور في حجمها الطبيعي فإن عليها أن تخرج من الثقب الأسود، وتبتعد لترى بشكل أفضل، هذا ما قررته ذات يوم حين تأكدت أنها تضيع أيامها بلا جدوى!
بعد أن تماثلت إليزابيث جيلبرت مؤلفة الكتاب الأكثر شهرة «طعام، صلاة وحب» للشفاء من أزمة طلاقها، ومن ثم فشل علاقة الحب الجارفة التي عاشتها بعد الطلاق، جاء ذلك اليوم الذي نهضت فيه باكراً لتزيح الستائر الثقيلة وتفتح عينيها جيداً، لتفاجأ بالربيع في الخارج، لقد مضى وقت طويل منذ قطعت علاقتها بالخارج، هذا ما اكتشفته، لذلك جلست بهدوء لتكتب عن بعض رغباتها الصغيرة المؤجلة التي ربما لو تحققت لأخرجتها من هذا اليأس الذي يلفّها!
تقول إليزابيث في كتابها: «سمحت لنفسي بالتعبير عن رغبات صغيرة خجولة مثل: إنني أود الانتساب إلى صف اليوغا، كما سأغادر الحفلة باكراً حين أرغب في ذلك لكي أعود إلى المنزل وأقرأ رواية، أشتري علبة أقلام جديدة، ورغبة أخيرة تلح دائماً: أن أتعلم الإيطالية».
تقول إليزابيث جيلبرت إنها منذ زمن طويل وهي ترغب في أن تتحدث الإيطالية، تعتبرها لغة جميلة كزقزقة العصافير، ومع ذلك فهي لم تجد يوماً مبرراً لتعلمها، وتحدث نفسها دائماً حين تهم بذلك: «لماذا أتعلمها، بماذا ستفيدني؟ فلا أحد يتحدث بها في الولايات المتحدة، وأنا لن أنتقل لأعيش في إيطاليا، ربما يكون من العملي أكثر لو أتعلم الإسبانية أو الفرنسية مثلاً».
هذا بالضبط ما يجعلنا لا نتعلم شيئاً جديداً نحبه، البحث عن المبرر الذي يتوجب علينا تقديمه للناس، لكن من قال إن لكل شيء في الحياة مبرراً عملياً؟ إننا نعمل لسنوات طويلة وهي أجمل وأقوى سنوات العمر، نعمل كجندي متفانٍ ومخلصٍ، ننتج ونكدح ونفي بوعودنا ونضحّي براحتنا، نعتني بأحبتنا، و…. وماذا بعد ذلك؟ هل يجب أن نستمر في الحياة نؤدي واجباتنا وحسب؟
ربما تمنحنا اللحظات العصيبة من حياتنا نوراً غير متوقع لنعرف هذه الحقيقة، إننا نحتاج أحياناً لأن نفعل ما نحب من دون أن نعطي مبرراً لذلك، المبرر الوحيد أننا نرغب في فعل هذا الأمر، وأنه الشيء الوحيد الذي يجلب لنا السعادة، خاصة إذا كان هذا الأمر ليس فاضحاً، كأن نتعلم اللغة الإيطالية مثلاً!