نون والقلم

خليفة عباس المنتظر وضغوط العرب وابتزاز نتنياهو

حين يكيل الهجاء لمحمود عباس، فهذه ليست مصادفة، لا سيما حين يأتي الأمر محمولا على أكاذيب مفضوحة، وإن بدت دعاية لعباس أمام الشعب الفلسطيني.

عباس لا يريد تدمير «إسرائيل» كما يقول نتنياهو، ولا هو متمسك بتجسيد حق العودة للاجئين، وتصريحاته تترى على هذا الصعيد، كما أن السقف السياسي الذي قبل به لم يكن مسبوقا في تاريخ القضية، إن كان على صعيد تقديس التعاون الأمني مع العدو، وكذا رفض المقاومة، أم على صعيد تفاصيل التسوية كما فضحتها وثائق التفاوض الشهيرة التي جرت بينه وبين حكومة أولمرت.

الأسوأ بالطبع هو أن عباس يفعل ما أراده نتنياهو عمليا، وهو تمرير لعبة السلام الاقتصادي، أي تكريس سلطة تحت عباءة الاحتلال، من دون مقاومة، لكن ذلك لا يبدو كافيا في هذا التوقيت بالنسبة لنتنياهو، فهو يعتقد أن هذا الحريق الذي أشعلته إيران في المنطقة، ومجيء ترامب (العاشق لإسرائيل)، إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة، .. كل ذلك ينبغي أن يتحوّل إلى أرباح عملية ملموسة، ولن يحدث ذلك إلا بجلب محمود عباس إلى طاولة التفاوض، لا لأجل التوصل إلى تسوية يدرك الجميع أنها غير ممكنة بسبب سقف العروض الصهيونية، بل لإطلاق موجة تطبيع عربية تهيل التراب على أبجديات الصراع، وتحوّله بمرور الوقت إلى مجرد نزاع حدودي بين دولتين جارتين!!

ليس هذا وحسب، بل يريد أيضا ترتيب الشأن الداخلي الفلسطيني على نحو يضمن هذه الاستمرارية في السياسة الداخلية، ولا يسمح بأن يحدث أي تحوّل مفاجئ في المستقبل، كما حدث من قبل حين انقلب عرفات على مسار أوسلو وتسامح مع خيار المقاومة. وهنا تحديدا يتم استخدام ورقة دحلان التي ستعني بالضرورة أن “فتح” ستبقى رهينة لخلافاتها وجدلها ونكاياتها، ولن يكون بوسعها اتخاذ أي موقف يخالف توجيهات الاحتلال.

على هذه الخلفية تأتي لعبة الابتزاز التي مارسها ويمارسها نتنياهو ضد عباس، وهو رجل يجيد تماما لعبة الفجور والابتزاز، كما تابع الجميع ذلك في قصة اتفاق النووي مع إيران، والذي رفضه نتنياهو مرارا، ومارس ابتزازا غير مسبوق مع أمريكا لوقفه، بينما تقر حكومته الآن بأنها لا تريد إلغاءه لأنه مصلحة إسرائيلية!!

في ظل معادلة حقيرة من هذا النوع، لا يجد المرء مناصا من إبداء بعض التعاطف مع عباس، رغم الخلاف الكامل مع عموم سياساته في التعاون الأمني ونبذ المقاومة، وتكريس السلطة التابعة للاحتلال، لا لشيء، إلا لأن المسار الآخر أكثر سوءا.

المصيبة هنا تتبدى في قصة الخليفة التي يُتوقع أن يتم خلالها تجاوز قانون السلطة العتيد، والذي ينص على أن بديل الرئيس المؤقت هو رئيس المجلس التشريعي، ريثما تجرى الانتخابات، وهنا لن يقبلوا بعزيز الدويك رئيسا، كما أن الانتخابات ليست متوقعة في ظل البؤس الراهن، وهي خيار أكثر بؤسا لأنها خطأ من الأصل، وكان هذا رأينا قبل 2006، ولا يزال.

لن نخوض في مسألة الخليفة، ومن يكون من بين الأسماء الخمسة التي يتم تداولها، فالمشكلة في «فتح» هي المسار السياسي الذي لا يبدو في وارد التغير قريبا، لكن السؤال هو: هل يكون الخليفة من اللون الذي يمكن أن ينسجم مع شعبه لو انفجر بشكل شامل وصعّد انتفاضته، أم سيكون من اللون الراهن، ويعمل بكل قوة في الاتجاه المعاكس؟! إنه سؤال الحد الأدنى في ظل غياب الأمل القريب في استعادة «فتح» ذاتها كحركة تحرر، بعد أن حوّلها عباس إلى حزب سلطة تحت الاحتلال.

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button