نون والقلم

مرارة حماس ومرمرة كنفاني

طالما كان المشروع الوطني الفلسطيني نقطة خلاف جوهرية مع التيارات الدينية التي ترى ان المفاهيم الوطنية متعارضة مع المفاهيم الدينية , ولعل مفردة الشهادة كانت اكثر المفردات اثارة للجدل بين التيارين , فالتيارات الوطنية على اختلاف تلاوينها ومشاربها تتعامل مع ابطال المقاومة الراحلين كشهداء دون تمييز على الهوية الفصائلية او الانتماء السياسي الديني بما فيهم شهداء تيارات المقاومة الاسلامية والعكس ليس صحيحا فما زالت ذكرى دَوس صورة الراحل ياسر عرفات ماثلة في الاذهان اثناء احداث الانقلاب الحمساوي في قطاع غزة وعدم اطلاق لفظة شهيد على المقاومين الراحلين . لاحقا تعاظم الاختلاف والتباين حد القطيعة المعرفية على توحيد المصطلح الفلسطيني المقاوم , بعد ان سعت الاحزاب الدينية الفلسطينية وتحديدا حركة حماس الى احتكار مصطلح المقاومة لحسابها الشخصي وسلخته عن باقي التنظيمات وصولا الى تأريخ المقاومة من لحظة انطلاقة الحركة ولحظة تقديمها قوافل الشهداء التي لا ينكرها الا فاقد عقل او ظالم لمشروع التحرير الوطني الفلسطيني , وهذا ابرز ابواب الاختلاف مع الحركة وباقي تلوينات الاسلام السياسي فكل مخالف لتلك التنظيمات يسقط عنه لقب المعارضة او المقاومة وكل من ينتقد تلك التنظيمات والحركات معادٍ للمشروع الوطني التحرري . الخلاف اعمق من تغيير اسم مدرسة او حمل صورة شهيد , فالشهيد غسان كنفاني لا يحتاج الى شهادة من احد لاثبات شهادته كما انه مدرسة وجامعة وبالتالي لن يسقط من حسابات التاريخ الفلسطيني والانساني اذا تم تغيير اسم المدرسة التي حملت اسمه الى اسم السفينة مرمرة التي تعرضت لهجمة همجية صهيونية اسفرت عن سقوط شهداء من اجل رفع الحصار عن قطاع غزة , لانه خلاف في جذر المقاومة وعقيدتها وفهم برنامج ومشروعية التحرير , واستهداف اسم الشهيد غسان كنفاني يأتي في هذا السياق وليس في غيره ومحاولة قراءة الحدث بسطحية دون قراءة جذوره السياسية والمنهجية اساءة الى ارواح الشهداء والى مشروع التحرير الوطني الفلسطيني بكل ما يحمل من معنى . ثمة صهينة فصائلية وشوفينية تنظيمية تطغى على الحالة الفلسطينية , وسعي محموم لاثبات جدارة الفصيل القادر على تأمين حدود الكيان الصهيوني , اما بالمعاهدة الكاملة او بالهدنة الطويلة , وصولا الى نيل الاعتمادية لتنفيذ المهمة المستحيلة فتتصارع الصهينة مع الشوفينية وتذهب اسماء الشهداء وذكراهم , الى معتمد الاحوال الشحصية الفصائلي او مسؤول دائرة النفوس , فيُسقط ذلك ويمنح الختم لآخر , ويصبح الشهيد ودمه خاضعين لاشتراط القوة الفصائلي واعتمادية دائرة النفوس , ولعل الشهيد غسان كنفاني وزميله في الحبر والحرف والحرب ناجي العلي اقل الشهداء تأذيّا من دائرة النفوس وشهادات الفصائل ولكنهم الاكثر دلالة على خطورة الخطوة وظلالها السلبية , فالشهيدان وتراثهما اكبر بكثير من محاولات طمس اسمائهما , لان اعمالهما الخالدة وتاريخهما النضالي يحمي ارثهما ودمائهما , لكن الخاسر هو الحالة الفلسطينية ومحاولة لوي عنق التاريخ وكتابته بقوة الانقلاب ورصاصة الفلسطيني في صدر الفلسطيني . تقديم اوراق الاعتماد الفصائلي للقوى الاقليمية الصاعدة والقائمة ليس على حساب الشهداء والقضية الاكبر التي سال من اجلها دم الشهداء , والتاريخ الفلسطيني ليس قطعة ثلج سرعان ما تتبخر على نار الفصائل واسلحتها وكتابته محفوظة على الخرائط الدماغية ووجدان القلوب وحكايا الجدات والاجداد المتوارثة جيلا بعد جيل , وسبق لفصائل ان حاولت كتابة التاريخ كما تكتب بياناتها الفصائلية واوراقها التنظيمية ولكنها اندحرت , فأوراق الاعتماد تقدم للشعب الفلسطيني وقضيته الاصيلة فقط وكل ورقة اعتماد وشهادة منشأ غير ممهورة بتوقيع الشعب وشهدائه مزيفة ولحظية . غسان كنفاني شهيد خالد في وجدان شعوب كثيرة وأدبه باق كمنارة لكل راغب بالحرية والتحرير , والدم طوال التاريخ ينتصر على السيف ولا اظن فلسطينيا وعربيا يعلم او يعرف اسم الشخص الذي وضع توقيعه على تغيير اسم مدرسة غسان كنفاني الى مدرسة مرمرة ولكنهم جميعا يعرفون غسان كنفاني وهو حاضر في بيوتهم من خلال ادبه وتراثه الوطني كما هو اسم مرمرة , ولكن تبقى مرارة القرار , وسيبقى اسم غسان قطعة مرمر ومرمرة في اعناق الاحرار من كل الدنيا .

نقلا عن صحيفة الدستور الاردنية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى