واقع مرير تعيشه الأمة، لا يسر صديقاً، ويفرح عدواً، وما أكثر الأعداء، ما أكثر من يحاربوننا على أرضنا ورزقنا وأمننا واستقرارنا. لسنا بحاجة إلا لنظرة عامة، نرى فيها الخريطة ونتساءل عن الحال التي وصلنا إليها.
حكاية يوم أمس كانت مثالاً، وما أقساه من مثال، عندما يموت 16 شخصاً ويجرح 50 آخرون، ويزرع الحقد بين قبيلتين تعيشان في مدينة واحدة، والسبب قرد، فهذه قمة المأساة، فليس نحن من تصدر عنهم مثل هذه التصرفات. لسنا نحن الذين تصبح الأرواح عندهم بلا ثمن، ولسنا نحن من نتمسك بتوافه الأمور وصغائرها ونترك السفه والنعرات الجاهلية تتحكم فينا.
لم أسرد يوم أمس حكاية مضحكة، بل هي مبكية وتدمي القلب، حتى وإن وقعت بعيداً في «سبها»، الليبية، فالنتيجة محزنة، والسبب مؤلم للنفس، فنحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وفجأة نجد أجزاء من أمتنا تعود إلى بدايات القرن السابع، إلى ما قبل الرسالة الربانية والقيم الجميلة التي تشربناها من السلف الصالح، أولئك الذين أخذوا من الدنيا حسناتها وسيئاتها ووضعوها في ميزان، ثم أعطونا صراطاً نسير عليه فلا تختل موازيننا.
اليوم نعود إلى زمن مظلم كظلمة ذلك الزمان الذي ولى، بل الذي كنا نظن أنه ولى، فإذا به يعود حاملاً السواد والكراهية، وننسى ما حفظناه ولا نتذكر ما تعلمناه، نتقلب على أنفسنا، ونحطم كل ما كان يميزنا، ونترك النفس تنازع تقواها بفجورها، ويفوز من اعتدوا بما لديهم، عددهم وعدتهم ومالهم وعنفوان شبابهم، الطاقات التي وجدت للخير تهدر في أعمال الشر. مدن تهدم، وملايين تهجر، وضحايا يتساقطون بالمئات كل يوم.
حكاية «سبها» ليست نكتة، إنها مأساة لأنها ترسم لنا صورة للحضيض الذي انحدرنا إليه، ولو دققنا في تفاصيل ما يحدث في سوريا والعراق لوجدنا حكايات يشيب من هولها الولدان، فلا تضحكوا من ذلك الذي حدث في أقصى الجنوب الليبي، ولكن تذكروا النعم التي تعيشون فيها تحت ظل من يراعون الحق والعدل، ويشيعون الأمن والأمان في بلادنا.