نون والقلم

المنطقة تترنّح و«العربان» حائرون

المنطقة تترنح، واللاعبون المحليون والإقليميون فيها، يعيشون «حالة من التيه»، لا هم قادرون على التوافق وحل أزماتهم بالحوار والوسائل الديبلوماسية، ولا هم قادرون على الحسم العسكري لحروبهم وصراعاتهم، لكأننا أمام حرب استنزاف للأرواح والعمران والموارد، لا نهاية لها، فكلما لاحت في الأفق، بوادر فرج وانفراج على جبهة أو في ساحة، تسارع عقارب الساعة للعودة إلى الوراء، إلى المربع الأول.

في سوريا مثلا، لا جديد على الأرض وفي الميدان، برغم ضجيج المعارك وانفجارات الصواريخ ودخول حاملات الطائرات والأساطيل والأسلحة التي لم تستخدم من قبل، على خط المعركة … كل ما حصل خلال أزيد من خمسة أسابيع دامية، سقط خلالها مئات القتلى وآلاف الجرحى، وتدمر ما بقي من أحياء حلب، أن القوات النظامية عادت إلى مواقعها التي كانت عليها قبل ذلك … ضربات استعراضية جنونية، يقوم بها سلاح الجو الروسي وصواريخه الأسطول المجنحة في أرياف حمص وإدلب، من دون أن تتحرك القطاعات العسكرية شبراً واحداً … تركيا تتقدم صوب «الباب» وتقف على أبوابها، لا أحد يعرف كيف تقدمت، وبضوء أخضر ممن، ولا أحد يعرف لماذا توقفت وهل من قام برسم خط أحمر؟ … وبخلاف كافة التكهنات التي تناولت وجهة عملية «درع الفرات» واتجاهها، يكشف «بنك الأهداف» التركي عن اسم جديد: عفرين.

قوات سوريا الديمقراطية، تعلن عن سحب قواتها من بلدة منبج للمرة الثانية، لماذا الآن وفي هذا التوقيت، ولماذا لم تنسحب في المرة الأولى، وهل ستنسحب في المرة الثانية فعلاً … فيما القوات ذاتها، التي أطلقت عملية «غضب الفرات» لتحرير الرقة، تقف متسمرة على مبعدة منها، غرب الفرات ما عاد ملعباً للأكراد، فهل سيظل شرقيه ملعباً لهم؟ … هنا الأنباء حول معركة الرقة، تبدو غامضة، وتبدو الأطراف في حيرة من أمرها، لكأنها تنتظر «أمر عمليات» أو تترقب «زلزال ترامب» القادم لا محالة، ولكن القوم حائرون في معرفة على أية درجة سيكون.

ليس الحال في العراق بأفضل منه في سوريا … معركة الموصل تتواصل، والأحياء تتساقط تباعاً، وإن ببطء في يد القوات النظامية وحلفائها … والحشد الشعبي يقترب من تلعفر، برغم التهديدات التركية التي تصم الآذان … لم تعد بغداد تتحدث عن «معسكر بعشيقة» والوجود التركي، هل سويت المسألة دبلوماسياً، وخلف أبواب مغلقة، أم أن بغداد يئست من إمكانية إخراج «العثماني» من أراضيها … هل سيطرة البيشمركة على بعشيقة تبعث برسائل طمأنة للعاصمة الاتحادية أم أنها تجعل مهمتها في تطهير أرض العراق من القوة التركية الغاشمة، بات أمراً أكثر صعوبة؟

ما مصير اتفاق أرببيل، وهل سقط بفعل تبادل القصف الإعلامي بين البرزاني والعبادي، هل هناك اتفاق أصلاً، وهل هو من النوع الكافي في حل إشكاليات العلاقة بين المركز والإقليم … التراشق الأخير بين بغداد وأربيل، حول الانفصال وبقاء القوات الكردية في المناطق التي استعادتها، يفتح الباب على لصفحة جديدة من التأزم بين الجانبين، لا يبدو أن أنقرة وطهران، بعيدتان عنها … أنقرة ترتبط بعلافة وثيقة مع رئيس الإقليم، وطهران تحذره من مغبة المضي في الانخراط في مؤامرات أمريكية – صهيونية – سعودية على أمنها واستقرارها … ما الذي يجري في هذه البقعة من العراق، وكيف ستتطور الأمور أو تؤول؟

اليمن بدوره، تنتابه نوبات متعاقبة من الأمل والألم … الحرب لا تتوقف بعد مرور عشرين شهراً على اندلاعها الدامي والمدمر … كلما لاحت في الأفق بوادر خطة للحل، كلما تمرد أحد الأفرقاء على مناخات الانفراجات وأعاد الأمور إلى مربع التصعيد … مبادرة كيري الثانية، أثارت قلق وغضب فريق «الشرعية»، وقيل إنها تمت بمعزل عن الرئيس المخلوع، فإذا بها تعطيه ثلث مقاعد الحكومة، وإذا بفريق «الشرعية» الذي بدا فاقداً لاتزانه، يعود للارتياح بعد تلقيه «اعتذاراً» من جون كيري، أكده هادي ونفاه المتحدث باسم كيري … السعودية، تترك التعبير عن مواقفها لصحفييها وإعلامييها، ولحلفائها من اليمنيين، فبعد أن كانت طرفاً في محادثات صنعاء، ومن قبل في توليد مبادرة ولد الشيخ، تلتزم اليوم موقف الصمت، أو كما أسماه أحد صحفييها: «موقف الغموض البناء» ،ما الذي تنتظره الأطراف لتقرير الوجهة التي ستسلكها التطورات، هل هو القادم الجديد للبيت الأبيض؟ … ولماذا تظن أن حظوظها مع ترامب ستكون أفضل من حظوظها مع أوباما؟

يبدو أن اللحظة الانتقالية المشحونة في واشنطن، تلقي بظلالها الكثيفة والكئيبة على نزاعات المنطقة وصراعاتها … ويبدو أن العواصم العربية التي تودّع بكثير من البهجة والتشفي أوباما وإدارته، تنتظر بفارغ الصبر أن يأتيها الترياق من «برج ترامب» … العرب اعتادوا توديع الإدارات بكسر الكثير من «الجرار والأباريق الفخارية» … جورج بوش، رجل التدخل العسكري الحاسم في نزاعات المنطقة، أشاع الفوضى ومكّن إيران من الانتشار وتعزيز النفوذ … استبشروا خيراً بأوباما فإذا بهم يرون فيه رجلاً أكاديمياً متردداً وحالماً، فاخذوا يعبرون عن «الشوق والحنين» لسلفه، ها هم يستقبلون ترامب بكثير من التحفظ والقلق و«العصبية» أحياناً، وأحسب أنه لن يمضي وقت طويل، قبل أن يبدأ العرب بتدبيج قصائد الحنين والاشتياق لعهد الرئيس أوباما، تماماً كما هو حال ساكني دور العجزة، الذين ترتبط حياتهم ومصائرهم، بنوعية الإدارات المتعاقبة لملاجئهم … فلا قوة لهم ولا حيلة ولا قرار مستقلا، حتى عندما يتعلق بتقرير شؤون حياتهم اليومية. المنطقة تترنّح و«العربان» حائرون

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى