هل كان من الضروري أن ينهي جون كيري ثلاثة أعوام ونيف من عمله الدبلوماسي، بهذا الموقف الملتبس المتعلّق بالأزمة اليمنية؟ كيف استطاع أن يعلن عن اتفاق لوقف النار بين الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح والشرعية اليمنية والمقاومة الشعبية، وعن توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل نهاية السنة؟
غريب، مفهوم أن كيري والدبلوماسية الأميركية في حاجة إلى تسجيل نجاح في مكان ما، يختم فشلاً متراكماً وفاضحاً في سياسة باراك أوباما، ولكن هل كان يحتاج إلى ذلك الرد الصادم والسريع من ندّه اليمني عبد الملك المخلافي وقد جاء فيه حرفياً: « إن ما صرح به كيري لا يعني الحكومة اليمنية، لسنا على علم بهذا الاتفاق، ولسنا طرفاً في أي اتفاق، ولا يعنينا، ولم نُبلغ به ونستغربه». وفي مضمون هذا الكلام ما يتجاوز النفي؟
الالتباس كان واضحاً بين ما أعلنه كيري في أبو ظبي عن حصول الاتفاق، وما أعلنته الناطقة باسم الخارجية اليزابيت ترودو عن أن الاتفاق جرى بين الحوثيين والتحالف العربي، على خلفية قبول الحوثيين بالتزام بنود وقف النار الذي كان قد أعلن في نيسان ومهّد لمحادثات السلام التي رعتها الأمم المتحدة في الكويت لكنها فشلت بعد شهرين واستمر القتال، الذي تأجج يوم أول من أمس الخميس وهو الموعد الذي حدده كيري لوقف النار!
هل كان من الضروري أن يتعرض كيري للجلد على أيدي اليمنيين في نهاية رحلته الدبلوماسية، التي حطّم فيها الرقم القياسي في السفر الذي حمله إلى ٧٧ بلداً، حيث قطع مسافة مليون ونصف مليون كيلومتر، محطماً أيضاً الرقم القياسي في الفشل في الملفات المشتعلة [سوريا، أوكرانيا، العراق، فلسطين، والعلاقات مع روسيا التي جعلته هو وسيرغي لافروف أشبه بشريط ساخر عن مطاردات ميكي ماوس]؟
الحرج لم يتوقف عند قول المخلافي إن تصريحات كيري تُعد مثاراً للشك، كما أنها تضع عقبات أمام السلام لأنها تعطي اعتقادات خاطئة أن هناك اتفاقات ليس لها وجود في الواقع، الحرج اكتمل عندما اعتذرت الخارجية الأميركية يوم الجمعة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إذ زاره تيم ليندر كينغ نائب مساعد كيري والسفير ماثيو تولر ونقلا إليه رسالة اعتذار عما حصل، معتبرين أن وسائل الإعلام أخرجت الأمر من سياقه!
ما زاد الانتباه لكل هذا أن الصحف الأميركية كانت قد صوّرت زيارة كيري لمسقط، التي تبذل مساعي مستمرة لوقف النار في اليمن، كأنها محاولة من أوباما لتحقيق نجاح في اللحظة الأخيرة من عهده الذي حصد فشلاً ذريعاً في كل مكان باستثناء الذهاب إلى كوبا والاتفاق مع إيران الذي يعتبره انجازاً… لكنها خاتمة تعيسة من يمن سعيد!