وليس من اليوم، بل من زمنٍ بعيد. منذ العودة من حمّام حروب الآخرين، والحروب القذرة التي أكلت الجمهورية الصغيرة مع ديموقراطيتها ونظامها وحريتها. فهجَّرت الأقليات، وفرَّقت وباعدت بين أهالي الحي الواحد، والمبنى الواحد، والطابق الواحد…
والأسوأ من ذلك كلِّه أنها أوقعت الوطن في قبضة الوصاية.
ولم تتوقف الذيول البشعة عند هذا الحد، بل جرفت معها المؤسَّسات التي كانت العنوان المميّز للجمهوريَّة، وجرَّدت لبنان من البقية الباقية من الصفات والعلامات المختلفة التي تفرّد بها طول مرحلة الزمن الجميل.
فكان الانحدار. وكان السقوط. وكان الفساد. وكان التراجع المخيف للمؤسَّسات الدستوريّة، ولانجازات النظام الفريد والوحيد في هذه المنطقة. وكان الانكفاء العربي والدولي من حول البلد الذي وصلت أخبار نجاحه وتألقه وفرادته الى القارات الخمس.
وكان تشردُّ فئات وتجمعات الموهوبين والمبدعين والمثقفين الذين ساهموا بكل اخلاص وحب وحبور في صياغة وطن النجوم، والذي وقع في غرامه كلَ من زاره أو مرَّ به ذات مصادفة…
جميع اللبنانيين يوافقون على كل كلمة قالها الرئيس ميشال عون في بكركي، والدعوة الى انهاض المؤسَّسات والدوائر من «أحضان» التسيُّب والتشرذم والفساد والانهيار، وخصوصاً خلال مرحلة الفراغ الرئاسي حيث أصبح هذا اللبنان كالأيتام…
نوافق رئيس الجمهوريَّة «أن المشرق بمسيحيّيه يمرُّ اليوم بفترة هي الأصعب». لكننا نضيف إيضاحاً بالنسبة الى «هذا الاستقلال» ودور البطريرك الحويّك «في صنع وحدة لبنان وسيادته، وجمع كل الطوائف ومكوناته حول الاستقلال»، ذلك أن مؤتمر فرساي الذي ترأسه جورج كليمنصو حضره لفيف كبير من قيادات لبنان منها الرئيس اميل اده والمرجع السنّي الكبير أبو علي سلام وآخرون.
وللمعلومات فقط: لقد عرض كليمنصو خريطة للبنان يتوسَّع عبرها شمالاً حتى اللاذقيَّة، الا أن«خطيئة» التقدير دفعت البطريرك الى الرفض القاطع. ولن ندخل في تفاصيل الأسباب…
صحيح جداً ما أشار إليه الرئيس عون: «إن كل المؤسَّسات أُصيبت بالوهن بسبب التمديد. وان لبنان يتألم من الفساد الذي سدَّ شرايين الدولة». أما السبب الجلي فهو «انحطاط في المجتمع» كما قال. وكما أضاف: «الأخلاق أعلى مرتبة من القوانين، وكل عمل سلطوي لا يحترم القوانين يصبح جريمة».
هناك الكثير الكثير من المساوئ والارتكابات التي يجب الإشارة إليها في هذا الصدد، لكننا سنعود إليها لاحقاً، كوننا سنسجل هنا تعليق الرئيس نبيه بري، أو ردَّه: «فعلاً التمديد سيّئٌ، ولكن تعطيل المؤسَّسات كان أسوأ على المؤسَّسات بما في ذلك مجلس النواب»…