لو رصدنا التعليقات والأصداء العربية لنتائج الانتخابات الأمريكية خلال أسبوع واحد فقط لتوفرت لدينا عيّنات نموذجية من عقل سياسي وأداء إعلامي يمكن فحصها تحت المجهر الثقافي والسايكولوجي، أما العرب وأمريكا فذلك شجن مُزمن تولاه الأمريكيون أنفسهم في مذكراتهم الفاضحة بدءا من مذكرات كيسنجر حتى مذكرات البوشَيْن الأب والإبن مرورا بمذكرات شوارتسكوف وبقية العائلة اكثر من ثلاثة ارباع التعليقات العربية اما منقول بدرجة عالية من التكييف والتعريب عن الميديا العالمية، او افراز ما يعجّ به العقل العربي الان من اضطراب وفقدان بوصلة
ويبدو ان معرفة ما يحدث في أمريكا أو غيرها في هذا الكوكب تتطلب ادوات ومناهج ليست موجودة بالقدر الكافي لدينا كعرب، لهذا نمارس ما يسمى في علم النفس الاسقاط والتفكير الرّغائبي على الاخرين ، وعلى سبيل المثال نسقط ما لدينا من فائض الشّخصنة، على دول ذات مؤسسات ولا ينفرد فيها زعيم اوحد في اتخاذ القرارات وقد يكتب عن السود في امريكا من لا يعرف حتى عددهم والتضاريس الديموغرافية لوجودهم، وقد يكتب عن الاقتصاد الامريكي وأزماته من تنتهي خبرته عند ادارة سوبر ماركت تماما كما لو اننا نعهد الى عجلاتي او سمكري ان يصلح عطبا في طائرة بوينغ !
لهذا بدت بعض التعليقات مثيرة للسخرية، لأنها تفتضح جهل اصحابها حتى بمعرفة جدول الضرب السياسي في امريكا، ولأن العرب فقدوا الحول والقوة معا فقد بدأوا ينتظرون غودو حسب مسرحية بيكيت الشهيرة سواء كان قادما من تل ابيب او باريس او نيويورك، وكلما راهنوا على من سوف يُنصفهم وجدوا انفسهم يبكون على اطلال من سبقه .
ومن لم يعيشوا تجارب ديموقراطية حقيقية وليست عيّنات للعرض فقط يتعذر عليهم فهم المعادلات المعقدة في نظم سياسية ذات شروط وسقوف ومحددات دستورية .
لقد سبق للعرب أن تصوروا بأن هذا المرشح الديموقراطي او ذلك الجمهوري هو عنترة بن شداد الذي سيحرر بني عبس من غُزاتهم …
إن أسوأ ما يمكن أن يبلغه الإنسان هو أن ينتظر العطف من خصمه !!