أدركت «المؤسسة» في الحزب الجمهوري الأميركي أن المرشّح للرئاسة قبل عقود رونالد ريغان لم يكن مسيّساً كفاية رغم انتخابه حاكماً لولاية مهمّة مرّتين. ذلك أن ثقافته كانت جيدة وعادية. كما أن مسيرته المهنية كانت عادية: معلّق إذاعي وممثل. لكن كانت عنده صفات تؤهّله لأن يصبح رئيساً منها الانفتاح والحوار والتشاور قبل اتخاذ القرارات. وهي التي دفعت «المؤسسة» الى تبنيه وإنجاحه. وبعد ذلك ساعدته في تأليف فريق من أكثر الشخصيات كفاءة. وعمل الاثنان بتناغم شديد فنجحت ولايته الرئاسية الأولى ثم انتُخب لأخرى. ولعل من «الإنجازات» التي تُحسب له أميركياً الإعداد لانهيار الاتحاد السوفياتي.
والآن تدرك «المؤسسة» نفسها أن الرئيس الجمهوري التي انتُخب أخيراً لا علاقة له بالسياسة على الاطلاق رغم نجاحه في مجال الأعمال ذات العلاقة بالتطوير العقاري وصناعة الترفيه (فنادق وكازينوهات). علماً أنه لم ينجُ من بعض «الكبوات» التي خسّرته الكثير لكنه كان ينهض بعدها لأنه عنيد وصلب وشغّيل ومشاكس ومغامر. ولا نقول مقامر لأن المقامرة تتسبّب بالخسارة الشاملة. وتدرك أيضاً أن عليها واجبات عدة كون «الحزب الجمهوري» رشّحه رسمياً للرئاسة بعد نجاحه في إقصاء تسعة أو عشرة راغبين في الترشيح، جرّاء قدرته على اجتذاب الناخبين داخل حزبه وفي الأوساط الأميركية المتنوّعة، بوعوده التي قد لا تنفّذ أبداً بسبب إشكالياتها رغم جاذبيتها الشعبية. الواجب الأول توحيد “الحزب” الذي انقسم أولاً بين «المؤسسة» التقليدية و«حزب الشاي» المتطرّف الذي نشأ داخله ونجح في إثبات نفسه من خلال الانتخابات «الكونغرسية»، وثانياً بين أركان في «الشاي» والمرشّح دونالد ترامب. والواجب الثاني هو التفاهم مع ترامب على الأهداف التي يريد تحقيقها في الداخل الأميركي وعلى السياسات التي ينوي انتهاجها، وخصوصاً في مواجهة التحدّي الروسي الصاعد من أوكرانيا والشرق الأوسط، والتحدّي الصيني الصاعد بدوره ولكن بهدوء في المحيط الأطلسي وفي ما يسمى بحر الصين الجنوبي، وفي العالم كله من خلال الاستثمارات الاقتصادية والإعمارية الكبيرة التي يستحيل أن لا تكون لها أهداف سياسية واستراتيجية بعيدة المدى أو متوسطته. والواجب الثالث في حال التفاهم هو الاتفاق على فريق عمل له يضم أهم الشخصيات الجمهورية المخضرمة والجديدة صاحبة الخبرة والمعرفة والحكمة والبعيدة عن التهوّر والشعبوية.
هل تنجح «المؤسسة» الجمهورية في القيام بالواجبات الثلاثة المذكورة؟ لا يمكن الجزم بالنجاح أو الفشل منذ الآن. لكن المتابع الأميركي نفسه يقول أن ترامب لا يعرف شيئاً عن الوظيفة التي سيشغلها، وعن السياسة والقضايا الخارجية وعن الأمن القومي. ولا يمتلك مهارة كبيرة في تضميد الجروح وإنهاء الانقسامات على مستوى حزبه والبلاد. فأسماء «كبار» إدارته التي بدأت تظهر في وسائل الاعلام ليست مؤثّرة، فضلاً عن أن من يعتقد أنه سيكون رئيس طاقمه الرئاسي معروف بعنصريته، ومن يمكن أن يُعيّن رئيس هيئة الأركان المشتركة معروف بتشدّده.
ويقول المتابع نفسه أن الحاكم كريستي أُبعد جزئياً لأنه يوحي بعدم التعاون مع ديموقراطيين أو غير جمهوريين رغم خبرتهم الواسعة جداً في الأمن القومي والسياسة الخارجية، وأن «المؤسسة» الجمهورية تريد Triebus تريباس رئيس المجلس الوطني للحزب رئيساً لطاقم ترامب، في حين أن المتشدّدين يريدون شخصية أخرى اسمها برينان المتهم بالعنصرية. ويبدو استناداً اليه أن أولاد الرئيس المنتخب الكبار «لجموا» مرات عدة والدهم وسيكون بعضهم جزءاً من فريقه الانتقالي. طبعاً، يشدّد هؤلاء بدأت «المؤسسة» التي تشعر أن ترامب في حال ضياع تعمل للإحاطة به ولتأمين انطلاقة ناجحة لعهده حرصاً على الحزب ووحدته وعلى الاستمرار في السيطرة على مجلسي الكونغرس وحرصاً على الاستقرار في البلاد. لكنها تحتاج الى وقت. ونجاحها قد تبيّنه تعيينات لشخصيات مخضرمة موثوقة من الطيف الأميركي بكل ألوانه. علماً أن هناك من يتعمّد إفشالها. فالبنوك الكبيرة بل «وول ستريت» كله سعيد لاقتناعه بأن ترامب سيلغي الاجراءات الرقابية التي فرضها أوباما عليه لتلافي تكرار الأزمة الاقتصادية لعام 2008. وعلماً أيضاً أن «الريف الأبيض» الذي أنجح ترامب رغم تفوّق كلينتون عليه بالأصوات الشعبية لا يستطيع فرض إرادته على المدن الكبرى وضواحيها، إلا إذا أراد استعمال القوّة. وعلماً أخيراً أن استمرار التظاهر يؤدّي الى العنف ويناقض الديموقراطية. ويختم المتابع بالقول: «صلّوا لأجلنا».