نتجاوز مقالا كتبناه عن مفاجأة ترامب وتداعياتها، ونتركه للغد من أجل المفاجأة «العظيمة» التي وعدنا بها الرئيس الفلسطيني أول أمس الخميس بالكشف عن قتلة ياسر عرفات رحمه الله، وقوله للجمهور المحتفل بذكراه إنكم «ستدهشون من الفاعلين».
منذ أسابيع، وعلى طريقة «بروموهات» الأفلام يعدنا قادة فتح بالمفاجآت حول قتلة ياسر عرفات، كأن الأمر لعبة دراما، وليس حديثا عن مصير الرجل الأكثر تأثيرا في تاريخ القضية الفلسطينية، والذي يعلم الجميع أنه قتل مسموما.
[bctt tweet=”ليس فلسطينيا من قتل ياسر عرفات، ومن يقول ذلك هو فقط من يريد التهرب من مسؤولية الرد على عملية القتل” via=”no”]، وبالطبع لأنه لا يؤمن بالقتال، ويعتبره شكلا من أشكال «العبث».هناك أداة فلسطينية أدخلت السمّ إليه، لكن قرار قتله صدر من شارون شخصيا، وليس من أحد آخر، وللتذكير فقط سنضطر إلى نقل هذه الفقرة من كتاب «أسرار شارون» للصحفي الأكثر قربا منه (أوري دان)، وفيها قال «إن شارون قد تحلل في 14 نيسان- أبريل 2004 من وعده لبوش بعدم التعرض لعرفات، وفي اللقاء الذي عقد بينهما في البيت الأبيض، قال شارون لبوش إنه لا يعتبر نفسه ملزما بالوعد الذي منحه له أثناء لقائهما الأول بعد فوزه في الانتخابات، وهنا رد بوش قائلا: «ربما من الأفضل إبقاء مصير عرفات بأيدي قوة عليا.. بيد الله»، فأجاب شارون: «ربما يجب أحيانا مساعدة الله». وعندما سكت بوش اعتبر شارون أنه «تحرر من عبء ثقيل».
لا حاجة لاعتراف أوضح من هذا، رغم أننا لم نكن في حاجة إليه، مع العلم أن هناك عدة أطراف تواطأت على التستر على الجريمة، أبرزها تحالف الورثة الذي اشتبكوا لاحقا، إلى جانب نظام حسني مبارك وفرنسا وروسيا، من دون أن ننسى بطبيعة الحال الضغوط الأمريكية على جميع الأطراف لتجاوز القضية، ونسبة موت الرجل إلى مرض مجهول.
الاعتراف التالي بقتل ياسر عرفات من قبل قيادة السلطة جاء تحت وطأة الضغط الجماهيري، وليس قناعة بالأمر، فيما يأتي اليوم كما يظهر واضحا في سياق من تصفية حسابات (شخصية)، وليست سياسية.
هناك سمٌ أدخل إلى ياسر عرفات بطلب من الصهاينة، وهناك شخص ما أدخله إليه، فهل يحتاج الكشف عن ذلك الشخص إلى 12 عاما بالتمام والكمال، ولماذا يتم الإعلان عنه في هذا التوقيت؟!
لا حاجة لكثير من الذكاء لكي يكتشف المرء أن المقصود بهذه القصة هو محمد دحلان، فيما سيكون المتهم المباشر ميتا على الأرجح، ونتذكر هنا تلمحيات سابقة لطبيب قيل إنه توفي في ظروف غامضة.
لا ندافع عن دحلان، وموقفنا منه معروف، ومؤكد أن هناك من أدخل السمّ إلى عرفات، ويجب كشفه أيا كان، وكشف من طلبوا منه ذلك من الفلسطينيين أيا كانوا (المجرم الأكبر معروف كما قلنا، وهو أصلا من يملك ذلك النوع من السموم الخاصة)، لكن الأمر لم يكن في حاجة لـ12 عاما من أجل كشفه، لا سيما أن من كانوا يدخلون عليه أثناء الحصار لم يكونوا بتلك الكثرة التي تستحق كل ذلك العناء في التحقيق.
مرة أخرى نقول إن قتلة عرفات معروفون، وهم الصهاينة، ومن أراد أن يرد عليهم، فساحات المقاومة أمامه، أما من يعلنون أن التعاون الأمني «مقدس»، فليسوا مؤهلين لذلك بحال من الأحوال، وهم أصلا من مهّدوا الأجواء لاغتياله حين وفروا البديل عنه، وتآمروا على حصاره مع الأمريكان والأوروبيين.
هنا ينهض سؤال مهم يتعلق بالفرضية المرجحة حول اتهام دحلان بصلة ما بقضية الاغتيال، الأمر الذي سيعتبره الأخير أكبر تصعيد ضده من قبل عباس، والسؤال هو: كيف سيرد على ذلك؛ هو الذي أعلن عبر قناة مصرية العام الماضي أنه يمتلك أطنانا من الوثائق عن فساد في أوساط من يتهمونه.
هل تصل الأمور إلى هذا المستوى من التصعيد، أم أن الأيام المتبقية قبل إعلان “المفاجأة” ستشهد صفقات تغير مجرى الأحداث؛ ومعها المعلومات التي ستكشف؟ لا شيء مُستبعد في زمن يتم فيه تغييب قضية مقدسة لشعب عظيم في دهاليز الخلافات الشخصية.