1 – من يريد ان يتحاور مع الآخر، يجب ان يسقط من ذاكرته منطق “الاستاذيّة” على العالم، فلا يوجد امة تمتلك –لوحدها- مهمة “تعليم” الآخرين وإلقاء الدروس عليهم، وكأنهم تلاميذ في مدرستها، هذه مشكلتنا –بالطبع- حين نتصور بأن الآخرين بمختلف اعراقهم ودياناتهم في ضلال كبير، وعلينا ان نذهب على الفور لانقاذهم،او ان احوالهم تثير الشفقة ومن واجبنا ان نحميهم من “البؤس” الذين يعيشون فيه؟
2 – نحن- كمسلمين- جزء من هذا العالم الذي تعددت اديانه ومعتقداته.. واختلف الناس فيه (ولذلك خلقهم) وظل الكفر – وهو واقع بمشيئة الله – جزءا منه.. فهل بوسعنا ان ننظر الى هذه الصورة من كافة زواياها ، وان نتعامل معها كما امرنا الله تعالى ، بمنطق الاعتراف والتعارف والاحترام والحوار.. والدعوة بالتي هي أحسن.. والرحمة و العدل؟
3 – حين زرت بعض الاقطار الاوروبية أدهشتني صور الانتظام واحترام القانون وحالة الانسجام بين الناس، قلت في نفسي: هذه المجتمعات تصالحت مع نفسها، وتعافت بفضل ( الديمقراطية) من امراضها، وبنت تقدمها وحضارتها بسبب انحيازها للانسان واعلاء قيمة الحرية والكرامة التي يستحقها بلا منة ولا تجمل، لكن احد الاصدقاء ذكرني بأن هؤلاء الابناء تعلموا من تجارب آبائهم، فقد فعل هؤلاء الاباء ببعضهم اكثر بكثير مما فعلناه بأنفسنا، في هذه الشوارع التي تدهشك- أضاف الرجل- سالت دماء غزيرة، وسقط مئات الالاف من الابرياء، وتقسمت دول الى دويلات، واقيمت مشانق للمطالبين بالحرية، لقد دفعوا ثمن ما تراه باهظا، واقتنعوا بعد ذلك ان الطريق للحياة يمر ( بالتوافق) والاحترام المتبادل والالتزام بالقوانين التي تفرزها نتائج الصناديق، حيث لا تزوير ولا استبداد ولا احتكار للسلطة… الكل أدرك ان ( الديمقراطية) هي الحل، وأن حياة الانسان أغلى من كل شيء.
4 – لاخيار أمام دولنا التي تستيقظ كل يوم على وحش يداهمها من جديد سوى الخروج من دائرة (الفرجة ) و الوهم و الانتظار ( الاحتضار إن شئت) ، وذلك من خلال الانتصار (لارادة) الاعتدال، سواء في الحقل السياسي حيث الديمقراطية والاحتكام لارداة الناس و تجفيف ينابيع الفساد و القمع و احتكار السلطة أو في الحقل الديني حيث اعادة (الدين) لوظائفه وحركته الطبيعية في الحياة و المجتمع من دون (احتكار) أو توظيف او اختطاف او ترهيب، وبقوة (الاعتدال) هذا، وسلطته وشرعيته غير المزورة، يمكن ان نصحو على واقع جديد يخرجنا من زيف (التوأمة) بين الاستبدادين : السياسي والديني، وبين (الوهمين) وهم الايمان المغشوش ووهم ( الامن) المنفوش.
5 – من يستطيع ان يقنع هؤلاء الشباب الذين انحازوا (للتطرف) بأن الاعتدال هو الحل و الصواب وهم مشدودون لصورتين : صورة أمة أصبحت (ملطشة) لكل من هب ودب، وصورة موجات استعمارية متتالية ودولة محتلة تعتز بإرهابها وتجد من يباركه ويدعمه، ومن يستطيع ان يقدم لهم (البديل) وهم يرون بأعينهم كيف تقدم غيرهم من الامم والشعوب وصنعوا مايلزمهم من ديمقراطيات وتجازوا صراعاتهم الدموية وتوافقوا على (كلمة سواء) وامتهم العربية الاسلامية ماتزال بين مطرقة السياسي باستبداده و قمعه وبين سندان (الديني) بجهله وعنفه وقلة حيلتة.
6 – لا أدري كم من (المليارات) دفعها عالمنا العربي منذ أن برز ( نجم) الإرهاب لمواجهته عسكريا، وكم من الفرص ( السياسية) أهدرنا لإقناع أنفسنا بأن هذا التطرف خرج من عباءة الدين و ليس من عباءة السياسة، وكم من الطاقات أهدرت و من الدماء سالت على جنبات مكافحة ( التطرف) دون أن نفكر لحظة بأن ما فعلناه لم يغيِّر الصورة ولم يقطع ( دابر) الشباب المتطرفين.
58 2 دقائق