يحيي الفلسطينيون في الحادي عشر من نوفمبر /تشرين الثاني من كل عام ذكرى استشهاد الزعيم ياسر عرفات الذي شغل الدنيا حياً وميتاً، وما زالت ظروف وفاته غامضة، فالقتلة الذين خططوا لذلك كانوا على درجة عالية من الدقة بحيث لم يتركوا أثراً يشير إليهم، بل إن الوضع الدولي ساعد على إخفاء التفاصيل لأسباب سياسية ما يعني أن الكشف عن الجهة التي دبرت الاغتيال والمنفذين سيظلون طي الكتمان. وستمر الذكرى دون مسيرات جماهيرية كما جرت العادة بسبب قتامة الوضع العام باستثناء افتتاح متحف باسمه إلى جوار ضريحه في مقر المقاطعة يضم مقتنياته وحتى الأخيرة اختفى الكثير منها سواء في غزة عندما احتلت حماس مقره وبيته أو في حصنه الأخير المدمر في المقاطعة حيث سرق الكثير من مقتنياته الشخصية بسبب حالة الفوضى التي سادت بعد استشهاده.
ويحاول ابن أخته الدكتور ناصر القدوة توثيق وعرض ما تبقى من المقتنيات في المتحف.
عاش عرفات حياة مضطربة ومتحركة جعلت منه كما كان يصف نفسه حيواناً سياسياً، نهاره كما ليله مضغوطان بالعمل والتنقل، فكان يزور ثلاث دول في يوم واحد أحياناً مع أنه كان مضطرباً عندما ركب الطائرة مع الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في أول زيارة له إلى موسكو ليقدمه عبد الناصر للسوفييت. كان عرفات يرى نفسه زعيماً منذ فتوته ويتصرف في الجامعة كزعيم للطلبة الفلسطينيين، وعمل مع رفاقه في تأسيس رابطة الفلسطينيين في القاهرة واتخذ من مقر حكومة عموم فلسطين التي انتهت مقراً له. وكان في بداياته «إخواني» التوجه كما كان حال أغلب رفاقه، لكن عندما قرروا تشكيل حركة فتح اشترطوا ترك الانتماء الحزبي لأن فتح حركة تحرر وطني مفتوحة لكل من يؤمن بالكفاح المسلح، فانضم إليهم فاروق القدومي البعثي وكمال عدوان اليساري وكمال ناصر البعثي وغيرهم من مشارب مختلفة.. إلخ. لكن بعد قيام السلطة الفلسطينية اندمجت الحركة في السلطة وصار أي إخفاق في السلطة يحسب عليها، وقد تنبه لخطورة اندماج فتح في السلطة القائد الأسير مروان البرغوثي الذي كان يشغل منصب رئيس اللجنة الحركية العليا في الضفة الغربية وحاول الحفاظ على هوية التنظيم وهيكليته بعيداً عن السلطة، وأجرى انتخابات في المدن لكن مع اندلاع الانتفاضة جرى اعتقاله.
بعد اغتيال رابين استنتج عرفات أن أوسلو انتهى وأن حل الدولتين لن يتحقق أبداً، وعندما كانت لجنة الدستور تعرض عليه المسوّدة يبتسم ويتركها على مكتبه، وعندما كان يطلب منه توقيعها يضحك ويتساءل «..وإخوانا اللي بره نعمل فيهم إيه؟» في إشارة إلى الفلسطينيين في الخارج. فهو كان يختلق الأعذار لكي يفلت من أي توقيع يحدد الشعب وجغرافيته، وكأنه على يقين أن «إسرائيل» لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية. وقد تم تحميل عرفات مسؤولية فشل مفاوضات كامب ديفيد التي كانت البداية لهجمة أمريكية «إسرائيلية» منسقة ضده.
كان عرفات يجرب حصاراً جديداً في كامب ديفيد بعد حصار بيروت وقبل أن يعود زاره جورج تينيت مدير المخابرات المركزية آنذاك وقال له عبارات جديرة بالذكر في كل حين حيث قال له «فكر وتذكر مستر تشيرمان أنك ستعود إلى منطقة مضطربة خريطتها قابلة للتغيير، وستجد نفسك وحيداً وحولك دم كثير، ولن يتصل بك أحد فكر وتذكر أن ما هو معروض على الطاولة الآن سيرفع عنها بمجرد نهاية ولاية الرئيس كلينتون».
عاد عرفات وتعرض لهجمة سياسية إعلامية أمريكية – «إسرائيلية» شرسة وجرى دم كثير وحوصر عرفات ولم يتصل به أحد. وبعد حين ساد الاضطراب المنطقة وباتت خريطة المنطقة قابلة للتغيير.