كان الانتصار للبنان النظام والدستور على رغم تشظيهما والخراب، قبل ان يكون للرئيس ميشال عون، فعلى عيون العالم وخصوصاً العالم العربي المشتعل من حول لبنان، مارست الديموقراطية طقوسها الضرورية والمهمة في عملية الاقتراع، التي تكررت اربع مرات، والتي انتخبت عون في النهاية رئيساً للجمهورية المفرّغة منذ سنتين ونصف سنة.
كانوا كلهم هناك، السفراء وممثلو الدول ولا بد انهم غبطوا لبنان في النهاية، كبلد تنهشه الخلافات ويغرق في فراغ كاد أن ينسف أسس الدولة، لكنه يحرص على احترام آليات الدستور وممارسة المسرى الديموقراطي لانتخاب الرئيس بعد صراع سياسي على الرئاسة استأخر العملية كل هذا الوقت.
مبروك للمقام ومبروك لعون، الذي عندما يقول انه يأتي من مسيرة نضالية طويلة مليئة بالتضحيات، لن يفوته بالضرورة ان كل نضالاته السابقة في كفة ونضاله الذي بدأ الآن في كفة، أولم يقل ببساطة انه يأمل في تحقيق الاستقرار كي لا تكون حقيبة السفر البديل الدائم عند اللبنانيين من الوطن والهوية؟
ان حديثه عن لبنان السائر بين الألغام وعن أنه سيمنع النيران المشتعلة من حوله من الوصول اليه، يفرض على عهده، اولاً العمل على سحب عناصر الحرائق النائمة بين اللبنانيين نتيجة انقساماتهم، والمنسحبة فوق الصراعات الاقليمية التي توغل في احتدام مذهبي قد يستمر عقوداً، وثانياً وهو الأهم العمل الجاد على ان لا يذهب لبنان أو بعض لبنان لاستجلاب نار هذا الصراع البغيض الى الداخل. ان دعوته الى الابتعاد عن الصراعات الخارجية واحترام ميثاق جامعة الدول العربية، واعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي، ضرورية وملحة، لكن العبرة تبقى في امكان تطبيقها، وخصوصاً حيال سوريا التي باتت ساحة صراع اقليمي ودولي مفتوح!
ليس خافياً على عون مشقات تنفيذ العهد ولو جزءاً مما ورد في خطاب القسم، فعندما يكون الاستقرار الأمني منوطاً بالتنسيق الكامل بين مؤسسات الأمن وسلطة القضاء، ثم عندما يكون الأمن والقضاء في حاجة الى التحرر من التبعية السياسية، يصبح السؤال عويصاً والمهمة صعبة: ومن الذي سيوقف الأمرين، أي ممارسة التبعية وقبول الاستتباع؟
ليس خافياً على العهد الجديد ان هذا يتطلب نسفاً كلياً للبناء السياسي العفن واعادة بناء للثقافة السياسية عند المسؤول والمواطن، وهذه ورشة أصعب من كل مسيرة عون السابقة.
الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والانمائية والصحية والبيئية والتربوية المأزومة، والتي تفرض نهجاً تغييرياً كما قال، ستقود العهد الى الاستحقاق اياه: كيف ننسف البناء السياسي العفن وكيف نعيد بناءه، هل هذا ممكن في لبنان بغير معجزة تُدخِل كل مكونات قبائل “شعب لبنان العظيم” في هذه الورشة التي تشكل انتحاراً للكثيرين “الكثيريييييين”؟