اخترنا لكالأخبار

تقليص خدمات «الأونروا».. أزمة أم مؤامرة؟

أكثر من خمسة ملايين لاجئًا فلسطينيًا مستقبلهم في خطر، فبعد أن أجبرتهم أوضاع بلادهم وظروف الحرب التي يعيشونها على اللجوء إلى “الأونروا” – الممثل لحقوق اللاجئين قانونيًا وتاريخيًا ومعنويًا – وجهت لهم هذا العام صفعة قوية على وجوههم، فكادت أن تطيح بمستقبلهم جميعًا على مرئى ومسمع جميع الدول، ولم تنتفض دولة واحدة لإنقاذهم، ليمكننا الشك في أن يكون ما تتعرض له “الأونروا” ليس أزمة حقيقية بل مؤامرة ومخطط للقضاء على ملف اللاجئين الفلسطينيين!.

“الأونروا” هي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين، التي تأسست في أعقاب الصراع العربي الإسرائيلي 1948، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1949؛ لتقديم الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية، وبدأت عملياتها الميدانية في 1950.

حوالي 22 ألف موظف فلسطيني الجنسية يعملون بالوكالة، التي تضم مايقرب من 700 مدرسة، وتتلقى تمويلها تقريبًا بالكامل من قبل الولايات المتحدة “130 مليون دولار سنويًا”، والإتحاد الأوروبي “106 مليون دولار سنويًا”، مع مساهمة وتبرعات بعض الدول العربية.

أزمة وتقليص خدمات واحتجاجات

فجأة أعلنت “الأونروا” معاناتها من أزمة مالية غير مسبوقة تقُدر بنحو 101 مليون دولار، ستثمر عن تأجيل بدء العام الدراسي في مئات المدارس بأنحاء الشرق الأوسط، وستضطر الوكالة إلى وقف المساعدات المالية التي تقدمها لإصلاح المنازل المدمرة في قطاع غزة بعد الحرب الإسرائلية الأخيرة.

والأدهى من ذلك هي القرارات التقشقية والاستثنائية التي اتخذتها الوكالة، فأجبرت اتحاد موظفي الأونروا في القطاع، للدعوة إلى احتجاجات واسعة رفضًا لعدة لهذه القرارات، التي كان آخرها قرارا يخول المفوض العام منح إجازة استثنائية بدون راتب لكافة الموظفين في حالة تعرض الوكالة لأزمات مستقبلية مختلفة، لتخرج مسيرة هي الأضخم في تاريخ أزمة الأونروا، حيث شق 13 ألف موظف من موظفي الوكالة طريقهم من المبنى الرئيس وصولا لمقر الأمم المتحدة، بعد وصول الحوار بين اتحاد الموظفين والأونروا لطريق مسدود.

تقليص “الأونروا” خدماتها في قطاع غزة الذي يشمل وحده أكثر من 200 مدرسة، طال الصحة والتعليم، حتى أن مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” أكد أن الأطفال يعانون من صعوبات في المدارس، فبدأت غزة في الاحتجاجات على تقليص خدمات الوكالة ورفع آلاف الموظفين شعارات تدعو الوكالة للتراجع عما سموها مؤامرة تستهدف اللاجئين الفلسطينيين.

أما مجلس أولياء الأمور في مدارس “الأونروا” بقطاع غزة، فعلقوا الدراسة لليوم الثالث على التوالي؛ احتجاجًا على زيادة أعداد الطلاب في الفصل الواحد من 36 إلى 50 طالبًا، حيث قال رئيس مجلس أولياء الأمور عبد الناصر أبو العمرين، إن الدوام المدرسي معلق، الأربعاء، احتجاجًا على قرارات المفوض العام للأونروا وعلى رأسها زيادة عدد الطلاب في الفصل إلى 50 طالبًا.

وأضاف أن 80% من الطلاب يستجيبون لدعوة الاعتصام في الساحات، فيما جزء منهم لم يأت إلى المدارس بعد، وهذا يعني أن أولياء الأمور غير راضين عن قرار الأونروا، الذي سينعكس سلبًا على أبنائهم”.

جامعة الدول في غيبوبة!

والسؤال الذي يطرح نفسه وسط كل ما يدور: “أين جامعة الدول العربية من كل ما يحدث”؟، أليس دورها باختصار هو التنسيق ومناقشة القضايا التي تثير الهم المشترك مع دولها الأعضاء؟

فمنذ أن بدأت الأزمة، لم يسمع أحد عن مشاركتها أو اتخاذها أي قرار بشأن ما يحدث في الوكالة التي أصبحت تهدد مستقبل أجيالًا، سوى أن اسمها ورد مرة واحدة على لسان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين، زكريا الأغا، عندما قال إن المنظمة ستعمل بالتنسيق مع الدول العربية المضيفة على حث الأمم المتحدة على توفير آلية لإيجاد مصادر ثابتة لدعم الميزانية الاعتيادية لوكالة الغوث ولضمان استقرارها وعدم تعرضها مستقبلا لاضطرابات تعرقل عملها في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين.

وأضاف أن دائرة شؤون اللاجئين منذ بداية الأزمة المالية للأونروا تواصلت مع الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمدلله، والدول العربية المضيفة، والمفوض العام لوكالة الغوث، وجامعة الدول العربية، لاحتواء الأزمة ومعالجتها بعيدًا عن إلحاق الضرر باللاجئين أو تعطيل عمل برامج وكالة الغوث أو تقليص خدماتها .

ولفت إلى أن الأزمة المالية التي عصفت بالأونروا هذا العام تلزم الدول العربية المضيفة والأمم المتحدة ووكالة الغوث البحث عن آلية لتخصيص مصادر ثابتة ودائمة لميزانية الوكالة لضمان استمرارية عملها لحين ايجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين طبقًا لما ورد في القرار 194، محذرًا من أن عدم استقرار الموازنة المالية للوكالة ستكون له انعكاسات سلبية على حياة اللاجئين الفلسطينيين وعلى استقرار المنطقة .

وأكد أن اللاجئين الفلسطينيين وجموع الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات سيقفون في وجه المخططات الرامية التي تستهدف عمل الوكالة أو إنهاء دورها باعتبارها الشاهد الحي على مأساتهم والعنوان السياسي لقضيتهم في الأمم المتحدة.

وطالب سهيل الهندي، رئيس اتحاد العاملين العرب في الوكالة، بالتراجع عن كل القرارات التقشفية والاستثنائية التي اتخذتها خلال الفترة الماضية، مشيرًا إلى أن تلك القرارات هي التي دفعت الاتحاد إلى تعليق الدراسة والتلويح بإجراءات غير مسبوقة في القريب العاجل في حال لم تتراجع الأونروا عن قراراتها.

“الأونروا” ترد ..

وفي المقابل قالت وكالة الأونروا، إن إضرابات الموظفين وتعطيل العملية التعليمية يبعث برسائل متناقضة إلى المانحين ويضر بملايين اللاجئين الفلسطينيين في الوقت الذي تبذل فيه جهود جبارة لحل الأزمات المالية وضمان أرضية مالية صلبة تمكن الأونروا من تنفيذ برامجها خلال السنوات الماضية.

الأونروا ترى أن الأوضاع التي يمر بها اللاجئون الفلسطينيون خطيرة للغاية وتتطلب من اتحادات الموظفين وممثلي اللاجئين العمل سويًا مع إدارة الوكالة لتجاوز الأزمات المالية التي تلوح في الأفق، مؤكدة التزامها تجاه اللاجئين وتجاه تطوير برامجها وجودة خدماتها إلى أن تحل قضية اللاجئين حلا عادلًا وشاملاً.

“مؤامرة”

النائب في المجلس التشريعي، الدكتور محمد شهاب، أكد أن ما يجري من تقليص لخدمات اللاجئين يعد مؤامرة كبرى تهدف لإنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، بتقليص دعمها وخدماتها شيئاً فشيئاً؛ من أجل إنهاء قضية اللاجئين بدمجهم وتوطينهم في أماكن تهجيرهم.

وأضاف النائب شهاب في تصريح صحفي له، أمس الثلاثاء، أن هذا الأمر ليس غريباً؛ فلطالما خططت الوكالة وسعت لذلك بمحاولات عديدة ومتدرجة، ومنها مشروع التوطين عام 1955م الذي جاء بتوافق مصري لتوطين اللاجئين في شمال غرب سيناء، وأفشلته مخيمات قطاع غزة بالمظاهرات الحاشدة، مبيناً أن المصيبة الأدهى كانت يوم أن تهاوى بعض قادة منظمة التحرير بموافقة وتوقيع محمود عباس على مشروع أوسلو عام 1995م، والذي ينص على إنهاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ونقل مهامها ومقدراتها لمنظمة جديدة مؤقتة، وتبعه ياسر عبد ربه بالتوقيع على اتفاق مشابه عام 2003م!

وأشار النائب شهاب إلى أن ضعف ردود الفعل الدولية والإقليمية والمحلية يعني وجود تواطؤ دولي أو رضًا أو غفلة؛ مما يشجع “الأونروا” على سياستها التقليصية لخدماتها المدمرة للأجيال، وأخطرها وقف برنامج التعليم ومؤسساته “700 مدرسة”.

وتساءل “شهاب” عن دور السلطة في تلك القضية قائلاً: لماذا لا يتحرك ممثل فلسطين في الأمم المتحدة وبدعم المجموعة العربية والإسلامية وغيرهم باسم المنظمة وباسم فلسطين لإسقاط المؤامرة ومعالجة الأزمة المالية في “الأونروا”؛ من خلال حراك ونضال ضاغط للحصول على قرار من الجمعية العامة يلزم بتسديد العجز الطارئ على ميزانية “الأونروا”؟ لافتاً إلى أن هذه القيادات التي لا تحرك ساكناً بخصوص المؤامرة الكبرى المتمثلة في إنهاء دور الوكالة، هي قيادات فاشلة ومتواطئة مفرطة في حقوق اللاجئين والشعب الفلسطيني والمشروع الوطني والثوابت الوطنية.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى