وصف المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين التوتر الراهن بين بلاده والغرب بأنه الأسوأ منذ الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973. يعكس تصميم الكرملين على مزيد من المجازفة في سوريا من أجل إنجاز المهمة مهما كلف الأمر، وحتى المخاطرة بالوصول الى شفا مواجهة عسكرية مباشرة أوسع نطاقاً.
ثمة من يجادل بين الديبلوماسيين الغربيين بأن القياس الذي استخدمه تشوركين قد لا يكون صائباً أو ليس في محله. ليس التوتر الراهن في أي مكان قريباً مما كانت الحال بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي خلال حقبة الحرب الباردة. انهار ذلك العمران العقائدي وكل ما استتبعه من العلاقات السياسية والإقتصادية وأساليب الهيمنة والسيطرة. تجاوزت أجيال القرن الحادي والعشرين تلك الحقبة. منطق الحرب الباردة لم يعد ملائماً للغربيين، من الأميركيين والأوروبيين خصوصاً. لكن السياق الذي انزلقت اليه الحرب في سوريا ينذر بالسوء.
يعبر البعض عن تساؤلات مشروعة عن إمكان تحوّل جزء من سوريا برلين جديدة. تكاد مدينة حلب تصير صورة عما كانت غيرنيكا في الحرب الإسبانية. يخشى أن تواجه مصير ساراييفو وسريبرينيتسا في البوسنة والهرسك. سوريا مذبحة بطيئة إذا ما قيست بمجازر رواندا. يعتقد المسؤولون في الأمم المتحدة والمبعوث الدولي الخاص ستافان دو ميستورا أن كبرى المدن السورية ستصير أثراً بعد عين ومن الماضي قبل نهاية السنة الجارية إذا لم تتوقف الحملة العسكرية الحكومية المدعومة من روسيا لإستعادتها. ليس من المناسب وصف دمارها كدمار برلين بعد انتصار الحلفاء على النازيين عام 1945، غير أن هاشتاغ #حلب-تحترق على تويتر يشير الى عنوان الشرخ العالمي الجديد مع روسيا. شرخ يشبه جدار برلين.
لا يزال النظام الدولي محكوماً بالتوازنات التي نشأت عقب الحرب العالمية الثانية وترسخت خلال حقبة الحرب الباردة. غير أنه من الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يفوّت فرصة لإثبات قدرات روسيا على ملء أي فراغ ينجم عن انكفاء الولايات المتحدة. يبحث دائماً عما يثير دهشة العالم ليس فقط في صور شخصه عاري الصدر مفتول العضلات مداعباً أسداً أو حاملاً نمراً أو ممتطياً دباً قطبياً، بل أيضاً في الأمور الأكثر جديّة مثل ارسال تعزيزات عسكرية ضخمة الى المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط لإظهار كل الإستعدادات اللازمة دفاعاً عن نظام الرئيس بشار الأسد ومنطقه في “الحرب على الإرهاب”. هدد المسؤولون الروس الدول الغربية بالتصدي عسكرياً لأي استهداف لحليفها في دمشق. أدى الإنكفاء الأميركي الى امتناع الدول الأوروبية عن أي مغامرات لمواجهة السياسات البوتينية. غير أن الجميع يراقبون كيف ضمّ القيصر الجديد شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، ونقل صواريخ نووية الى الحدود مع بولونيا وليتوانيا، وحرك مجموعة سفن حربية الى بحر الشمال، واستفز القوات الأميركية في القطب الشمالي… يريد إنشاء برلين جديدة في سوريا.