نون والقلم

مصر تحارب الغلاء

[bctt tweet=”وعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالعمل على تخفيض الأسعار خلال شهرين” via=”no”]، وهذا الوعد في حد ذاته فيه الكثير من شجاعة القائد وإحساسه بمدى معاناة شعبه، كما أنه وعد شجاع لسببين:

لأنه لا أحد في هذه الأيام، في مصر أو في غيرها من الدول، يمكنه الحديث، فضلاً عن الوعد، بانخفاض الأسعار؛ ولأن فترة الشهرين لا تبدو وكأنها فترة طويلة تسمح بتغييرات هيكلية في الاقتصاد تجعل سعر السلعة الضرورية في متناول اليد. لكن الوعد الرئاسي استند إلى عمل يجري على الأرض، ومشاريع يتم الانتهاء منها تنتج الأسماك والغذاء.

وفي النهاية زيادة للعرض في السلع الغذائية بحيث يواجه الطلب عند مستوى معقول من السعر. المسألة لا تتعلق فقط بتخفيض أسعار الغذاء والسلع الرئيسية لشرائح معينة في المجتمع، وإنما هي مرتبطة بالتوازن الاقتصادي للدولة كلها.

»الغلاء« أو »التضخم« بالتعبيرات الاقتصادية هو حالة ينتصر فيها الطلب على المعروض من السلع؛ وفي هذه الحالة تكون النقود المتوافرة باحثة عن بضائع نادرة. وهكذا كما علمونا في الاقتصاد يظل سعر السلعة، والسلع، يرتفع حتى يتوازن مع الطلب الموجود.

ولكن هذه ليست ساحة لدروس الاقتصاد أكثر منها مكان للنظر إلى الحالة المصرية ككل، والبحث فيها عن أوجه الخلل الهيكلي قبل العارض. هنا فإن الأعراض لابد وأن تبحث عن الأسباب الهيكلية التي هي اثنان: أولهما أن هناك ثمناً للثورة، ونحن لدينا ثورتان، وما بينهما لم تكن فترة مثمرة أو منتجة، وإنما نزيف من الخزانة العامة حتى وصلت إلى عجز كبير. وثانيهما أن هناك ثمناً للإنجاب الكثيف.

وخلال فترات الثورة وهتافات ميدان التحرير، ولأسباب لم يدركها العلماء بعد، حصلنا على عشرة ملايين من الزيادة السكانية. أصبحنا دون إعلان منا بالرغبة، بلد المائة مليون نسمة قبل نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.

»الغلاء« في الأسعار يشبه ارتفاع درجات الحرارة في الطقس يظن الإنسان أنه يستطيع التعايش معها، ولكنها عند درجة معينة تصبح مستحيلة التحمل. وكما يحدث مع المناخ من احتباس حراري، فإن الأسعار تحدث ذات الاحتباس من خلال القروض التي يسعى إليها الإنسان للتخفيف من الحالة حتى ولو لفترة قصيرة. القرض هنا يلعب دور المروحة أو حتى النافذة أو أحياناً جهاز التكييف.

ولكنه دور مؤقت لأنه مع استمرار الارتفاع الحراري فإن التكنولوجيا لا تصبح مفيدة، بل أنها تكون مكلفة للغاية. النتيجة في النهاية أن كل العلاجات المؤقتة التي لا بأس بها لتجاوز اللحظة؛ لا تحقق العلاج المطلوب مع مرور الزمن.

فالحقيقة هي أن جوهر الموضوع يكمن في التوازن بين ما يكسبه الإنسان، ومدى توفر السلعة في الأسواق. ويصبح الحل المنطقي، والهيكلي، أن يكسب الإنسان أكثر مما ترتفع الأسعار لأن السلعة غير متاحة بما يكفي.

الحل على جانبي المعادلة أن يكون هناك قيمة أعلى للعمل من ناحية، وزيادة في عرض السلع من ناحية أخرى. العالم وجد حلاً لزيادة عرض السلع وهو »المنافسة« بين منتجين كثرة فينخفض السعر إلى حدود دنيا. وم ثل ذلك لا يمكن أن يحدث عندما يخرج جزء كبير من الطاقة الإنتاج ية للبلاد إلى خارج السوق؛ وهي حالة من الشلل وردت مع الثورات.

ولا تزال نتائجها مستمرة. لابد من تفعيل كل الطاقة الإنتاجية للدولة. والتفعيل هذا يحتمل معنيين: أولهما أن تعود المصانع والمزارع والورش والمحلات إلى سابق العمل بكل طاقتها الإنتاجية؛ وثانيهما أن يعود ما توقف إلى العمل مرة أخرى. وفي بلد المائة مليون نسمة فإنه لابد من حل لأن الغلاء لم يعد نسمة عارضة، ولا هو أمر طارئ، وإنما هو حالة تسعى إلى الاستقرار حتى تصير من طبائع الأشياء.

المنافسة في الإنتاج، مع ارتفاع الإنتاجية، تصير أقصر الطرق لارتفاع عائد العمل، أي الأجر الذي ينبغي أن يحسن استخدامه برشد وتناسب مع الواقع والمتاح مع التمييز ما بين المهم والأكثر أهمية. فالضرورة لها أحكامها كما يقال، والغلاء لا يمكن تجاوزه إلا إذا عملت كل الأطراف كما ينبغي لها أن تعمل: المنتج والمستهلك، والحكومة والسوق. مثل كل ذلك يبدو الآن بديهياً.

ولكن ما هو بديهي لا يناسب كثيراً مقتضى الحال؛ ولكن المؤكد أن الصراخ والهتاف والاعتراضات وانتزاع مزايا مؤقتة لن تحل أبداً المعضلة الكبرى وهو الخلل الواضح في توازن الأطراف الأساسية للاقتصاد من تعداد سكان وإنتاجية.

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button