[bctt tweet=”ثمة من ينبش التاريخ ليزيل تراب الزمن عنه، وثمة من ينبشه ليهيل التراب عليه” via=”no”]. ومنذ وجدت، أو بالأحرى، أُوجدت داعش، وهي تنبش بمعاول الهدم، والهدف الإساءة للإسلام وتعاليمه السمحة.
وليتها توقفت عند التفاصيل التي فسرتها على هوى «خليفتها» البغدادي، بالإعلان عن «دولة الشام والعراق»، لكنها اتخذت من مناطق لها دلالتها في التاريخ الإسلامي، لتعيد إنتاجها بشكل يخدم هدف التشويه، وتأليب العالم ضد المسلمين.
من هذه الرموز، بلدة «دابق»، التي ادعت اختيارها منطلقاً لمحاربة «الكفار» في أوروبا، تماماً كما اتخذت «القاعدة»، نيويورك غزوة أولى نحو «فتوحات» لم تفتح شبراً واحداً، بل أغلقت على المنطقة كل منافذ الهواء، وألقت بها في أتون جحيم، استكمله ما سمي بالربيع العربي، بهذا الحريق المدمر لبلاد العرب والمسلمين.
لماذا دابق، وما مدلولاتها؟
لا يبحث كثيرون وراء السبب في اختيار تنظيم «داعش»، هذه البلدة السورية على بعد 45 كيلومتراً من حلب، و15 كيلومتراً من الحدود التركية، لتكون مقراً رئيساً لهم، واستماتتهم في القتال للحصول عليها،.
ولكن الحقيقة أنّ اختيار داعش لهذه القرية، له أسباب دينية وتاريخية، ف[bctt tweet=”الدواعش يعتقدون أن «دابق» ستكون مسرحاً لمعركة منتظرة بين المسلمين والكفار” via=”no”]، وإنها بداية لتمدد التنظيم إلى باقي المناطق العربية وتركيا، وصولاً إلى الغرب، وأن هذه المعركة لن تقوم إلا بنزول الجيوش الدولية على الأرض السورية وقتالها برياً.
وعندما شحذ التنظيم همم مقاتليه للتقدم شمالي سوريا قرب حدود تركيا، والسيطرة على بلدة دابق، كان يستند إلى رمزيتها، باعتبارها مهدت للفتوحات العثمانية قبل نحو 500 سنة، ولأن دابق ليست مهمة من الناحية العسكرية، بل مهمة رمزياً.
لهذا قال وقتها «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، إن التنظيم شحذ همم مقاتليه وعناصره لمعركة دينية فاصلة في دابق، وطلب منهم الثبات والإقدام في الاشتباكات، لأنه اعتبر معركة دابق «ستكون منطلقاً للجيوش الإسلامية للسيطرة على العالم وقتال الروم».
اسم البلدة مرتبط بمعركة «مرج دابق» الشهيرة، التي جرت في أغسطس آب 1516 م بين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول، والمماليك بقيادة قنصوه الغوري، وانتهت بانتصار العثمانيين، ومهدت لـ «الفتوحات العثمانية»، ومنها دخلوا الوطن العربي، حيث دام حكمهم له أكثر من 500 عام، بداية بغزو مصر، والقضاء على الدولة المملوكية.
وكان هناك عدة أسباب وراء حدوث معركة مرج دابق، منها: أن البرتغاليين بعد معركة «ديو» سنة (915 هـ/ 1509 م)، أصبحوا هم أصحاب السيادة على المياه الإسلامية الجنوبية، حتى إنهم أعلنوا عن عزمهم على قصف «مكة» أو «المدينة»، وفى نفس الوقت، كانت حالة دولة المماليك الاقتصادية والسياسية والعسكرية سيئة، لا تسمح لهم بحماية المقدسات الإسلامية.
كما أن وجود مراسلات بين قنصوه الغوري والشاه إسماعيل الصفوي، أدى إلى زيادة هوة الخلاف بين الغوري وسليم الأول، لأن سليم كان في حالة عداء مع الشاه الشيعي، كما أن انتقال الخلافة إلى «بنى عثمان»، يجعل منها قوة معنوية كبيرة عند المسلمين، ويحد من أطماع أوروبا المسيحية في الدولة العثمانية.
ويقضي على الخطر البرتغالي في جنوبي البحر الأحمر، ودخل السلطان سليم الأول حلب وحماة وحمص ودمشق بالترحيب، وأرسل إلى طومان باي خليفة قنصوه الغوري على مصر، يعرض عليه حقن الدماء، على أن تصبح مصر وغزة تابعتين للدولة العثمانية، ويحكمها طومان باي باسمها، ويدفع خراجاً سنوياً.
ولكن المماليك قتلوا رسول سليم، فصمم السلطان سليم على الحرب، فالتقى بالمماليك في غزة والريدانية، وانتصر عليهم، وبذلك صارت مصر والشام والحجاز واليمن تحت حكم الدولة العثمانية.
لكن في السادس عشر من أكتوبر الحالي، طردت فصائل معارضة سورية مدعومة من تركيا، داعش من دابق وعدة قرى قريبة من الحدود التركية، وجاء الإعلان عن السيطرة على دابق من قبل الجيش التركي. وهنا، يختلط الديني بالسياسي بالعسكري وبالتاريخي. لكأن تركيا اليوم هي الدولة العثمانية بالأمس، وأن داعش هم المماليك الجدد.
[bctt tweet=”من يتتبع ما يجري على الأرض بعمق، يتأكد أن داعش أداة فتنة بين المسلمين” via=”no”]، ومن أوجدها قرأ التاريخ جيداً، وعرف كيف يدس السم بالعسل، وكيف يحارب العرب بالعرب، والإسلام الحقيقي بالإسلام المزيف. إسلام داعش!!