طلبت إلي نقابة المهندسين مشكورة، التقدم بورقة عمل حول «دور الإعلام في تفعيل قضية القدس»، وذك من ضمن فعاليات «ملتقى القدس الإعلامي» الذي نظمته لجنة «مهندسون من أجل فلسطين والقدس»، ولولا الاحترام للجهة الداعية، والإجلال لقضية القدس، لما تجشمت عناء المهمة.
عن أي إعلام عربي نتحدث؟
سؤال قادني إلى آخر: من يمتلك الإعلام العربي؟
وبعد البحث والتنقيب تبين لي أن حفنة من رجالات الأعمال، لا تزيد عن عدد أصابع اليدين، تستولي على معظم الشبكات الإعلامية الرئيسة في العالم العربي، بما تمتلك من محطات وإذاعات وصحف عابرة للحدود والفضاء العربيين … في مصر، تمتلك حفنة أخرى من هؤلاء (أقل من أصابع اليد الواحدة) فضاء المرئي والمسموع والمكتوب … وفي العراق، يحتفظ زعماء طوائف ومذاهب وعشائر، بنصيب الأسد من الإعلام العراقي، وكذا الحال في لبنان المنكوب بأمراء الطوائف.
وإذ تذهب خطوة أبعد في التحليل، تكتشف أن ثلاث دولة عربية، هي صاحبة القول الفصل في سوق الإعلام، وسوق الإعلان استتباعاً … حكومات بضع دول، ومن ورائها «فصيلة» من رجال الأعمال، يستولون على فضائياتنا وإذاعاتنا وصحفنا ومواقنا الإخبارية الكبرى … فعن أي إعلام نتحدث، وكيف يمكن لهذا الإعلام أن يضطلع بدور ريادي في «تفعيل قضية القدس»، فيما حكوماته، واستتباعاً، مالكو وسائله وشبكاته الكبرى، منخرطون من الرأس حتى أخمص القدمين، في حروب الطوائف والمذاهب والمحاور، وهم المسؤولون أكثر من غيرهم، عن «حرف الأنظار» عن قضية العرب «المركزية الأولى»، وعن درة العواصم العربية: القدس المحتلة.
لقد تحولت غرف الأخبار في الصحف والفضائيات والإذاعات، إلى «غرف عمليات» كما قلنا ذات مقال، تتلقى توجيهاتها مباشرة من حكومات دولها وأجهزتها الاستخبارية … وتورطت في تعميق حالة الفرز والاستقطاب، مثلما تورطت في إشاعة ثقافة التحريض والتضليل وقلب الحقائق وتسمية الأشياء بغير أسمائها، عملاً بقاعدة: الغاية تبرر الوسيلة، وكل سلاح في حروب الإلغاء والإقصاء، جائز شرعاً.
وأحسب أننا نحمل «الإعلامي» أكثر مما يحتمل، إذ نلقي عليه بأعباء تفعيل قضية القدس … فهل امتلأت صناديق القدس بالأموال التي جرى التعهد بدفعها في قمتي سرت والدوحة، حتى نرى مواكبة إعلامية حقيقة لخطط تدعيم صمود أهل المدينة وحفظ تراثها ومقدساتها … وهل قامت لجنة القدس بالأدوار المنوطة بها، حتى نطلب من الإعلامي القيام بدوره، وهل بمقدور الإعلامي أصلاً، أن يسبق السياسي أو يعزف على لحن آخر … في الحالة الإعلامية العربية، من يدفع للزمار هو من يفرض اللحن ويقرره.
من حيث هويته وملكيته، يتوزع الإعلام العربي إلى فئات ثلاث: إعلام رسمي مملوك من الحكومات، وآخر عقائدي – مؤدلج ضالع في خلق الفتن وتكريس الانقسامات، وثالث «تجاري» يُسهم بنشاط في نشر «الفضيلة» و«الرذيلة» على حد سواء، لكنه في الحالتين يسير في ركاب الحكومة، ويتشح بالسواد حداداً على «ولي النعمة» عندما تحين ساعة الأجل … هذا الإعلام، بات جزءا من المشكلة ولم يعد طريقاً للحل و«التفعيل» أو وسيلة لإعادة تصويب البوصلة.
تحضر القدس في هذا الإعلام الموزع على المعسكرات والمحاور المتناحرة، في سياق «استخدامي» «توظيفي»، ينفع لاتهام الفريق الآخر بالتقصير، ويفيد في التغطية على حروبنا الجانية التي تكاد تأكل الأخضر واليابس، ويستحضر للتعويض عن «الشرعيات المنقوصة»، بخلاف ذلك لا يبدو أن للقدس وظيفة يمكن الاعتداد بها، في برامج هذه الوسائل وتغطياتها.
وفي مطلق الأحوال، وقبل «الربيع العربي» وبعده، لم ينشغل الإعلام العربي بمخاطبة الآخر، بلغته ومفرداته، والآخر هنا هو المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، لكأننا في حوار، أو بالأحرى «مونولوج» مع أنفسنا، نحاورها ونسعى في إقناعها بحقنا في مدينتا وقدس أقداسنا … والتقصير في عرض فلسطين والقدس على الرأي العام العالمي، قضية لم نكل ولن نمل في إثارتها، فيما إسرائيل تحث الخطى لقضم الأرض والحقوق والهوية، وتعمل على تغيير معالم المدينة وتهويدها وأسرلتها.
شكراً لشبان القدس وصباياها، شكراً للمرابطين والمرابطات على عتبات المسجد الأقصى، الذي لهم وحدهم الفضل في إبقاء جذوة القدس وقضيتها حاضرة في الأذهان وعلى جدول أعمال وسائل الإعلام … هؤلاء وحدهم، بتصديهم بالصدور العارية، والقبضات الممسكة بالحجر والجمر، من يُبقي لهذه القضية اعتبارها، ويتسبب في خلق أسوأ كوابيس الاحتلال وسدنته من جنرالات وحاخامات مدججين بالعنصرية والكراهية.