نون والقلم

لباقة الفضلاء في تصويب الأخطاء !!

دَائِمًا أَعْقِد اجتمَاعًا مَع نَفسي، لأَطرَح عَليهَا السُّؤال التَّالي: لِمَاذَا النَّاس -كُلّ النَّاس- لَا يُحبّون مَن يَقول لَهم إنَّهم مُخطئون..؟!

أخبار ذات صلة

وقَد استمرَرتُ في طَرح الأَسئلة عَلى عَقلي، ولَم أَجِد إِجَابَة شَافية، حَتَّى عَثرتُ عَلَى مُرادي في كِتَاب شَيخنا ديل كارنيجي: «كَيف تَكسب الأصدقَاء وتُؤثِّر في النَّاس»، حَيثُ يَقول: (إذَا قُلتَ لرَجُل إنَّه مُخطئ، فهَل تُريد أَن يُقِرَّك عَلى ذَلك؟. أَبدًا. فإنَّك قَد سَدّدت إلَى ذِكائه وكِبريَائه ضَربة مُبَاشِرَة، ولَكنَّها لَن تَجعله يَحيد عَن رَأيه. نَعم، فِي استَطَاعتك أَنْ تُغرقه في بَحر مِن مَنطق «أَفلاطون»، أَو «إيمانويل كانت»، ولَكنَّك لَن تُغيِّر مِن رَأيهِ شَيئًا، مَا دُمتَ قَد جَرحتَ كِبريَائه)..!

ثُمَّ مَاذا يَحدث بَعد ذَلك؟ يُحذِّرنا شَيخنا «كارنيجي» قَائلًا: (لَا تَبدَأ حَديثًا قَطّ بقَولِك لمُحدّثك: (سأُثبت لَك هَذا أَو ذَاك)، فإنَّ هَذا القَول يَعدل قَولك: (إنَّني أَذكَى وأَقدَر مِنك، وسأُلقي عَليكَ دَرسًا لألغي مَا يَدور بذِهنك).. هَذا تَحدٍّ يَستثير العِنَاد، ويُحفِّز عَلَى النِّضَال، حَتَّى قَبل أَنْ تَبدَأ حَديثك، فإذَا كُنتَ ستُثبت شَيئًا، فلَا تُعلن ذَلك سَلفًا، بَل اثبته في كيَاسَةٍ ولَبَاقة، حَتَّى لَا يَكَاد يَشعرُ أَحَدٌ بأنَّك فَعلتَ ذَلك)..!

لَعلّ شَيخنا «كارنيجي» يُحاول أَن يُرشدك إلَى طَريقة، تَستَدرج بِهَا المُخطئ، حَتَّى يَحسُّ بالأمَان، ثُمَّ تُمرِّر لَه الخَطَأ بذكَاء، فمَثلًا مِن المُمكن أَن تَقول لَه: (إنَّ رَأيك صَواب، ولَكن تَعالَ لنُفكِّر بطَريقةٍ أُخرَى، لنَرَى الصَّواب الآخَر)، أَو أَنْ تَقول لَه: (عِندي رَأيٌ آخَر، ولَعلَّي أَكون فِيهِ مُخطئًا)، ومِثل هَذه العِبَارَة ستَجعَل المُخطئ يَتقبَّلك أكثَر، وقَد نَصَّ عَلى هَذه الاسترَاتيجيّة «ديل كارنيجي» بقَوله: (إذَا قَال مُحدِّثك شَيئًا وظَننتَ أنَّه أَخطَأ –وقَد تُجزم بأنَّه أَخطَأ- فمِن الأفضَل أَنْ تَقول لَه: إنَّني أَرَى رَأيًا آخَر، ولَكنِّي قَد أَكون مُخطئًا، فكَثيرًا مَا أُخطئ، فإذَا كُنتُ مُخطئًا فإنِّي أُحبُّ أَنْ تُصحِّح لِي خَطئي، فدَعنا نَختبر الحَقَائِق)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي أَنْ أُوصيك -عَزيزي القَارئ- أَنْ تَكون لَبِقًا، حِين تُحاول تَصحيح أخطَاء الآخَرين، وأن تُشعِرهم بأنَّك مِثلهم مِن أَصحَاب الخَطَأ، لأنَّ الإنسَان -بطَبيعته- يَرفض الوصَاية عَلى عَقلهِ، ولَو جَرّبتَ هَذه الإسترَاتيجيّة «الديلكارنيجية»، فسَتَجد النَّتيجَة إيجَابيَّة بشَكلٍ فَتَّاك..!!

أخبار ذات صلة

Back to top button