نون والقلم

أميركا تركّز على روسيا والصين… والموصل

في ما يختص بوزير الخارجيّة الأميركي جون كيري يقول المُتابعون الجدّيون في واشنطن أنفسهم أنّه ظُلم كثيراً من وسائل الإعلام، وخصوصاً في الشرق الأوسط وتحديداً من كل الجهات الشعبيّة والدوليّة التي تُناصب النظام السوري العداء، وتلوم أميركا وغيرها على عدم تقديم الدعم اللازم للثائرين عليه كي يتخلّصوا منه سواء قبل بروز “داعش” و”النصرة” أو بعده. فمعلوماتهم تُشير إلى أنه طلب مرّات عدّة من الرئيس باراك أوباما الأمر تنفيذ عمل عسكري ضدّه (أي الاسد ونظامه) لكنّه لم يتجاوب معه وأيّده في ذلك مجلس الأمن القومي.
في أي حال يبدو استناداً إلى هؤلاء أن القادة العسكريّين الأميركيّين يركّزون الآن على روسيا وعلى الصين ويرفضون أن يُلهيهم أي موقف أو عمل عن ذلك مثل التدخّل في سوريا. وهم يدعمون وعلى نحو كامل الخطّة السوريّة للمرشّحة الرئاسيّة الديموقراطيّة هيلاري كلينتون القاضية بمضاعفة أو بـ”تربلة” عدد المستشارين والمدرّبين العسكريّين. لكنّهم لا يوافقون على خطّة أكثر طموحاً. وهذا موقف يؤيّده كثيرون في إدارة أوباما رغم “انفطار” قلوبهم جرّاء الوضع المأساوي لأبناء الشطر الشرقي من مدينة حلب. وهؤلاء يعتقدون أن نجاح بشار الأسد بدعم إيراني وروسي في “تحرير” كل “إنش” من بلاده، إذا حصل، لن ينهي الورطة الكبيرة التي تجد سوريا نفسها فيها لأن الإسلاميّين المتشدّدين جداً فيها، مثل المنضوين تحت لواء “داعش” و”النصرة” وأمثالهما، سيحوّلون أنفسهم من مقاتلين في حرب شبه نظاميّة إلى مقاتلي حرب عصابات. علماً أن الرفض الأميركي لأي تورّط عسكري واسع النطاق في سوريا يرتبط إلى حدّ ما بالطريقة التي ينظر فيها المسؤولون في واشنطن إلى حصيلة “تحرير” الموصل العراقيّة بالحرب العسكريّة طبعاً.
هل هناك تصوّر أميركي لحرب تحرير المدينة العراقيّة المذكورة أعلاه؟
يُجيب المُتابعون الجدّيون في واشنطن أنفسهم أن ثلاثة تشكيلات عسكريّة تتحرّك الآن في اتّجاه الموصل. التشكيل الأوّل هو الجيش العراقي النظامي، والتشكيل الثاني هو الميليشيات العراقيّة الشيعيّة التي تُسيطر عليها إيران والتي تُصرّ على الاشتراك في تحرير هذه المدينة، والتشكيل الثالث هو جيش كردستان العراق المُسمّى “البشمركة”. هذا الجيش الأخير يرفض ومعه حلفاؤه العرب تدخّل الميليشيات المُشار إليها والمُسمّاة “الحشد الشعبي” في تحرير الموصل لأنّها منطقة ذات غالبيّة سكّانية سُنّية. لكنّهم يلفتون إلى أن ما يحصل الآن في رأيهم أو ما سيحصل قريباً هو انفراط عقد التشكيلات الثلاثة المذكورة أعلاه فور تحرير الموصل، ثم انخراطها في حرب في ما بينها لأن “البشمركة” الكرديّة ستحتفظ بقسم من الموصل المُحرّرة. والمتطرّفون جدّاً من الإسلاميّين الذين سيستسلمون (أي قادتهم) سيفضّلون أن يكون استسلامهم لـ”البشمركة” وإن بموجب اتفاق يقدّمون بواسطته لجيشها كل الوثائق التي يمتلكون عن الحركات الإرهابيّة الإسلاميّة المتشدّدة في سوريا والعراق بل في المنطقة والعالم. ولا شكّ في أن ثمن هذه الوثائق سيكون كبيراً جدّاً إلى درجة تجعل تحديده بالغ الصعوبة.
وبنتيجة الحرب بين مُحرّري الموصل، يقول المُتابعون أنفسهم، سينقسم الجيش النظامي العراقي وسينضم جزء منه إلى جيش الأكراد “البشمركة” بهدف تأسيس دولة كرديّة – عربيّة مُستقلّة قد تحظى بدعم أميركا التي ستُبادر بعد ذلك إلى إنهاء وجودها في المناطق العراقيّة الأخرى. وعندها سيكون على الرئيس بشار الأسد والإيرانيّين تأسيس دولهم في محيط غير مُتعاطف مع أهداف كهذه أو غير مساعد على تحقيقه.
أمّا في إيران الإسلاميّة فإن مسؤولين أميركيّين لا يزالون يأملون في تمديد شعبها ولاية رئيسها حسن روحاني في الربيع المقبل، علماً أنّهم يُتابعون الحملة التي بدأ يشنّها عليه المُحافظون والمُتشدّدون و”الحرس الثوري” لإسقاطه في الانتخابات. وهم يستعملون “الاتفاق النووي” الذي كان إنجازاً له لتحميله مسؤولية “عدم تنفيذ أميركا له”، وعدم حصول الازدهار الاقتصادي المأمول منه. ولعلَّ اشتراكه مع وزير خارجيّته في الحملة على المملكة العربية السعوديّة منذ موسم الحجّ الأخير الذي قاطعته إيران دليل على شعوره بدقّة وضعه الانتخابي الرئاسي. لكن أمل الأميركيّين في فوزه ثانية لا يعني قلّة إدراكهم عدم تأثير فشله في السياسة الإيرانيّة. فـ”الحرس الثوري” هو الحاكم الفعلي مع المرشد والوليّ الفقيه آية الله علي خامنئي، وقد يُصبح الحاكم الأوحد في حال حصول تغيير “في الولاية” لأسباب لاإراديّة. ويعني ذلك أن روحاني الرئيس مرّة ثانية سيقتصر عمله على قضايا الداخل وحدها.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى