نون والقلم

هل سبق سيف «جاستا» العذل؟

«ألف باء» السياسة تتلخص في أن المصلحة – فقط – هي سيد الموقف الذي يتحكم بمصير العلاقات الثنائية بين الدول. هذا الفصل يحفظه أبناء شرق المتوسط جيداً، فدرس التخلي عن شاه إيران محمد رضا بهلوي كان الأبرز والأهم بين دروس «يوجد غيرك يقوم بالمهمة لمصلحتي أفضل منك»، الذي يجدد الأميركيون، والأقوياء في شكل عام، التعاطي من خلاله مع «حلفائهم» متى دعت الحاجة إلى ذلك.

الأميركيون الذين تعاملوا عن كثب مع المكون السني في أفغانستان وخبروه جيداً، يريدون اليوم أن يتخلصوا من هذا العنصر الذي يشكل غالبية المسلمين بالسيف نفسه الذي استلوه من غمده عمداً.

بالتشدد الديني الإسلامي استطاع الأميركان القضاء على عدوهم اللدود ساعتها؛ الاتحاد السوفياتي، وبسببه اليوم يتم تشريع قانون يضرب الأنظمة الدولية بحائط «العبط» الأميركي، لتُستباح سيادة الدول بحجة رعاية الإرهاب، الذي باركوه منذ بزوغ فجره مبشراً بخلو ساحة العظمة أمامهم!

«جاستا» ما هو إلا واحد من تداعيات قلب الصفحة بتاريخ الـ11 من أيلول (سبتمبر) 2001، عندما تحول المزاج العام الأميركي ناحية العداء للإسلام، باعتباره المهدد الأول لسلامته، منذ ذلك التاريخ والشحن باتجاه مسؤولية «الوهابية» تحديداً لا يكاد يختفي حتى تتم إعادته إلى الواجهة من جديد، سواء عبر مراكز الدراسات الاستراتيجية المتخصصة، أم من خلال مقالات وتحقيقات في صحف لها مكانتها المرموقة، وكذلك في مختلف وسائل الإعلام. تقابلها تصريحات كان يطلقها وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل في وجه الأميركيين صراحة؛ من أنهم تركوا الباب موارباً للإيرانيين يعبثون في المنطقة، تلا ذلك التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، كل ذلك يؤكد حقيقة التحول السياسي الأميركي.

هل كان هناك قصور من الدبلوماسية السعودية الخارجية في سبيل احتواء «جاستا» وغيره؟ الجواب نعم بالتأكيد، وهذا مما لا يحتاج إلى إثبات، بالنظر إلى نتائج تصويت مجلسي الشيوخ والكونغرس الأميركي على مشروع القانون بأغلبية ساحقة! بعيداً عن مناقشة أوجه التقصير التي لا تفيد في هذه المرحلة، فإن السعودية مطالبة سياسياً بالتمسك بزعامتها للعالم الإسلامي أكثر من أي وقت مضى، والعمل على إكمال الخطوات التي بدأتها فعلياً عبر صناعة التحالفات السياسية والعسكرية الإسلامية بكل جدية، وصولاً إلى هدف المناعة ضد التهاون في مكانتها بوصفها دولة تمثل الركيزة الأهم في استقرار المنطقة برمتها اليوم. تجدر الإشارة هنا إلى أن العمل السياسي يجب أن يترافق مع عمل اجتماعي يمس حاجات الشعوب، التي تسمع عن ضخامة المساعدات السعودية الاقتصادية لبلدانها، لكنها في الغالب لا ترى طحنها، بسبب أنها تركزت في جانب معين دونهم.

يرى بعضهم أن تقديم التنازلات، أو نثر قليل من ورود التسامح، هو الأنسب تكتيكياً للخروج من هذا المأزق التاريخي، وكأن هناك من يسمع في الجانب الآخر! هؤلاء كمن يحجب الحقيقة بغربال السراب.

دخل المفتشون الدوليون إلى غرف نوم صدام حسين بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل ولم يجدوا شيئاً، لكن العراق احتُل ومُزّق وشُرد أهله يوم هزّ كولن باول عينة الغاز المميتة التي أخرجها من جيبه في مجلس الأمن، معلنا – كذبة – امتلاك العراق أطناناً منها.

بالعودة إلى «جاستا»، صاحب الأنياب الحادة، وليس كما يصوره البعض، فإن المعركة القانونية يجب أن تتزامن مع حملة علاقات غير مسبوقة في الداخل الأميركي على المستوى الدبلوماسي والشعبي، تتدارك، بالاستعانة بالشركات المختصة، التسويق لمنتجات العدالة التي يسلبها من السعودية الوجود الإيراني المضلل والكاسح حتى الآن هناك. يجب أن تنأى السعودية بنفسها عن قفص الاتهام، وعلى مسيري السياسة الخارجية السعودية اللعب على وتر المصلحة المتوخاة لدى الأشخاص المؤهلين لرفع هذا النوع من القضايا، إنهم يريدون التعويضات المالية، هذا الذي يعنيهم هم في الحقيقة، وليس رأس السعودية. لذلك من الضروري العمل على صناعة خريطة طريق بالتعاون مع الأشخاص والجهات المؤهلة، تتمكن من حرف انتباههم نحو المجرم الحقيقي، بالاستناد إلى تقارير الاستخبارات الأميركية، والأحكام التي صدرت بإدانة إيران بتهم تتعلق بالضلوع في أحداث سبتمبر خلال السنوات الماضية.

المهمة صعبة، لكنها في ظل المعطيات المتاحة، بما فيها مكانة السعودية عالمياً واقتصادياً، ليست مستحيلة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى