هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟ نسمع هذا السؤال المبني على التساؤل في بعض الكتابات والأحاديث السياسية التحليلية الاستراتيجية. وهو سؤال مشروع وفقاً للمعطيات والأحداث التي تعصف بعالمنا أو منطقتنا العربية على وجه الدقة، والتي تشترك في صناعتها أو تأجيجها قوىً عالمية باتت اصطفافاتها وتحالفاتها ومواقفها واضحة إلى حد كبير، وتظهر بجلاء في ساحات الصراع الساخنة، ولاسيّما في سوريا وليبيا واليمن والعراق، وأحياناً في مصر والسودان ولبنان، وتتمظهر أيضاً في المغرب العربي بشكل أو بآخر، وتزمجر خفية في العواصم العالمية، تلك العواصم التي باتت تخشى إطلاق وصف (إرهاب) على عمليات القتل والخطف التي تتكرر في الأماكن العامة والمدارس والجامعات وغيرها، حتى لا تزرع الرعب في نفوس مواطنيها، بينما هي في الواقع تنفذ قوانين الطوارئ دون إعلانها.
التصريحات التي يطلقها المسؤولون الأمريكيون والروس بشأن الواقع السوري المزري خطيرة جداً، وتنذر بمواجهة قد تكون حتمية، إذا ما تهوّر أحد الطرفين واستفرد بالقرار. فقد صرح «مارك تونر»، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لشبكة «سي إن إن» الإخبارية يوم الجمعة الماضي وقال، إنه من الصعب مواصلة الاعتقاد بجدوى عملية دبلوماسية لإنهاء الحرب السورية في ضوء هجوم الحكومة السورية بدعم روسي على حلب، وقال، إنه من الصعب مواصلة الاعتقاد بجدوى عملية دبلوماسية في ضوء الأحداث على الأرض، وقبلها بيوم قال جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، إن واشنطن على وشك تعليق المحادثات الدبلوماسية مع موسكو بشأن سوريا.
من جهة ثانية قال «أنتوني بلينكن»، نائب وزير الخارجية الأمريكي، الخميس الماضي، إن وكالات الأمن القومي الأمريكية تبحث خيارات بشأن سوريا، بعضها خيارات جديدة في محاولة لإنهاء الحرب هناك. وقال «بلينكن» للمشرعين: «الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب من جميع الوكالات طرح خيارات بعضها مألوف وبعضها جديد نعكف على مراجعتها بنشاط شديد».
وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية، قد نقلت يوم الجمعة الماضي عن مسؤولين أن واشنطن تفكر باستخدام القوة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، ومن بين تلك الخيارات ضربات لقواعد جوية للنظام السوري، لكن خطر قتل جنود روس دفعهم لإعادة التفكير.
في المقابل ذكرت صحيفة إزفستيا الروسية الجمعة الماضي أن موسكو عززت قاعدتها الجوية في سوريا بعدد من قاذفات القنابل، وتستعد لإرسال طائرات هجوم أرضي إلى هناك، في الوقت الذي تكثف فيه دعمها للقوات الحكومية السورية بعد انهيار خطة لوقف إطلاق النار. ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري روسي قوله، إن عدداً من المقاتلات من طراز (سوخوي-24) و(سوخوي-34) وصلت إلى قاعدة حميميم الجوية. وقال المسؤول: «إذا دعت الحاجة ستعزز القوة الجوية خلال يومين وثلاثة أيام»، وأضاف، «طائرات الهجوم الأرضي سوخوي-25 المقرر أن تتجه إلى حميميم اختيرت من وحداتها وأطقمها في حالة الاستعداد بانتظار أوامر القادة.» ناهيك عن البوارج والمدمرات البحرية وآلاف الجنود والمدربين والمستشارين الذين قيل إنهم يشاركون في بعض العمليات الحربية، وقُتل منهم عدد لا بأس به.
اليوم، سقطت الهدنة في سوريا بين الجيش السوري والمسلحين، وتبادلت روسيا والولايات المتحدة الأمريكية الاتهامات، ومن بينها أن أمريكا ترفض القيام بضربات على مواقع تنظيم النصرة المتطرف، بينما تعتبره روسيا تنظيماً إرهابياً، وما زاد من الغضب الروسي السوري أيضاً قيام الطائرات الأمريكية والتحالف بقصف قاعدة للجيش السوري في دير الزور قتلت حوالي 100 جندي، وقيل إنه ذهب ضحية القصف جنود روس أيضاً.
الأصابع على الزناد، والقوى الكبرى مترقبة، والجيش السوري وحلفاؤه بدؤوا بشن حرب عنيفة من عدة جبهات على حلب القديمة، والولايات المتحدة أعلنت أنها لن تسمح بسقوط حلب في أيدي الجيش السوري، وتهدد بقصف قواعده وجنوده، وهو موقف غريب جداً على البيت الأبيض، المتمثل في حماية المسلحين المتطرفين.
ترى ماذا لو أقدمت أمريكا وحلفاؤها على قصف القواعد الجوية السورية وتسببت في مقتل جنود ومستشارين روس؟ أمريكا تقول إنها ستقصف قاعدة جوية واحدة ولمرة واحدة لترسل رسالة قد تردع الروس، ولكن ماذا لو حدث احتكاك جوي بين الدولتين العظميين اللتين باتتا تسيطران على مسار العمليات على الأرض، وتتحكمان بالهدنة والمسار السياسي ومتطلباته؟
كل شيء وارد، والتاريخ مملوء بالأخطاء الصغيرة التي أشعلت حروباً كبيرة، من بينها الحرب العالمية الأولى، حين أطلق متطرف صربي رصاص مسدسه على الأرشيدوق فرانسيس فرديناند، ولي عهد النمسا والمجر فقتله هو وزوجته. وسوريا الآن تعج بالمتطرفين والذين يشجعون الأمريكان على التدخل العسكري، بل إنهم يفعلون ذلك منذ انشق الجيش الحر عن الجيش السوري النظامي قبل خمس سنوات.
العالم فوق فوهة بركان، ونعلم جميعاً أن العالم كله يتقاتل الآن في سوريا، وحلفاء الطرفين معروفان، ولن يترددا في الدخول في حرب طاحنة.
لماذا بات الجميع على قناعة بأن الحل الدبلوماسي لم يعد مجدياً؟
لا نعتقد أنه من صالح أحد إشعال حرب كبرى، فهي لن تحل الأزمة في سوريا أو في أي مكان آخر، لم تعد الحروب تحل الأزمات، لقد تغيرت طبيعة الأسلحة وتطورت أنظمة الردع والاتصال، وليس أمام الجميع سوى الجلوس والتفاوض، والصبر عاماً آخر في انتظار حل سياسي أفضل من التسرع في الدخول في الحرب التي إن اشتعلت فلن تبقي ولن تذر.