جاء دونالد ترامب الى المناظرة الاولى مع منافسته هيلاري كلينتون مصمماً على تحويلها الى مبارزة تحسم السباق الرئاسي لمصلحته ومستعداً لاستخدام كل الاسلحة الجارحة في ترسانته. ولكن بعد تسعين دقيقة من الكر والفرّ، وتلقّي الضربات المتتالية من خصم أظهر مهارة وقدرة عالية على المناورة، بدا ترامب مرهقاً وعاجزاً عن الصمود، أو التحدث بوضوح، وذلك بعدما ادعى ان كلينتون تفتقر “الى الوجه المناسب والقدرة” على تحمل المصاعب.
في البداية حاول ترامب الحفاظ على هدوئه واتزانه، وبدا كأنه استمع الى نصائح المسؤولين في حملته لكي يتصرف “بشكل رئاسي” وليس بطريقة “زقاقية” كما فعل خلال المناظرات الكثيرة مع المرشحين الجمهوريين خلال الانتخابات الحزبية.
أما كلينتون، فكانت مستعدة لترامب “الرئاسي”، وترامب “الزقاقي”. لا بل سهلت بأسئلتها واستيضاحاتها الاستفزازية وغير السافرة عودة ترامب الى شخصيته الحقيقية: الصدامية والمتغطرسة التي لا تتحمل أي نقد، والتي ترد بفظاظة وبشكل ارتجالي على أي تشكيك في صدقيته أو ادعاءاته.
وباستثناء الدقائق الاولى حين وضع ترامب كلينتون في موقع دفاعي بعدما ذّكرها والناخبين بأنها وافقت عندما كانت وزيرة للخارجية على اتفاق الشركة التجارية في المحيط الهادئ قبل ان تغير رأيها بسبب المعارضة له، وجد المرشّح الجمهوري نفسه إمّا في وضع دفاعي وغير قادر حتى على الدفاع عن نفسه بشكل فعال، وإمّا يردد مواقفه وطروحاته بمفرداته القليلة والفقيرة وبطريقة عامة ومبهمة وخالية من التفاصيل.
ومع مرور كل دقيقة كانت فظاظة ترامب وعدائيته تبرزان تدريجاً. فقد قاطع كلينتون ومدير المناظرة الاعلامي المخضرم ليستر هولت أكثر من ثلاثين مرة، ودخل في سجال مع كلينتون وهولت معا حين كرر – في كذب واضح – القول إنه عارض غزو العراق. وبدا ترامب رأسمالياً جشعاً حين اعتبر ان استغلال الازمة المالية في 2008 لمصلحته كان عملاً جيداً، أو حين اعترف ضمناً بأنه لم يدفع ضرائب فيديرالية معتبراً ذلك أمراً “ذكياً”.
لكن ترامب، الذي كان يشهق بشكل مسموع، واجه أسوأ لحظاته في النصف الثاني من المناظرة حين اتهمته كلينتون بـ”السلوك العنصري”، وهو ما لم تشهده أي مناظرة رئاسية من قبل، إذ ادعى ان اول رئيس من أصل افريقي ليس مواطناً أميركياً، حتى بعد كشف شهادة ميلاد اوباما، اضافة الى ممارساته العنصرية في أعماله الامر الذي عرض شركته لدعوى من وزارة العدل. وواجه ترامب تاريخه المتعصب ضد المرأة واحتقاره العلني للنساء حين ذكرته كلينتون بأنه وصفهن بـ”الخنازير والكلاب..”. كلينتون لم توجه الى ترامب ضربة قاضية، لكنها تركته مترنحاً، وطمأنت قاعدتها إلى أنها قادرة على الوصول الى البيت الأبيض.