تجرى الانتخابات التشريعية في الأردن الثلاثاء المقبل؛ لاختيار 130 عضوا بالبرلمان، في ظل ظروف أمنية واقتصادية صعبة فرضتها الأزمة في سوريا والعراق، وتعتبر الانتخابات ذا أهمية واسعة نظرًا لمشاركة المعارضة التي تمثلها جماعة الإخوان المسلمين بعد غياب دام أكثر من تسع سنوات عن الاستحقاقات الدستورية السابقة.
وتعتبر الانتخابات التشريعية اختبارا حقيقا للمملكة التي تعهدت بالدخول في مرحلة جديدة، ومعها “الإخوان المسلمون” الذين تمثل مشاركتهم تحديًا جديدًا أمام مؤيديها واختبارًا حقيقًا لها، تحاول من خلالها إعادة بناء شرعيتها عبر البرلمان بعد الانقسامات الأخيرة، فيما تحاول الحكومة استعادة ثقة الشارع بهذه الانتخابات.
ويبلغ إجمالي سكان الأردن 9.5 ملايين نسمة بينهم 4.139 ملايين ناخب فوق 18 عاما، وتشكل النساء أكثر من 50% من إجمالي الناخبين، ويتنافس في الانتخابات ألف و252 مرشحا، بينهم 253 سيدة، و24 مرشحا شركسيا، و65 مرشحا مسيحيا، في 226 قائمة انتخابية، ويتشكل مجلس النواب الجديد من 130 نائبا، بينهم 15 امرأة بعد إقرار نظام الدوائر الانتخابية في 2016 الذي قسم المملكة، التي تضم 12 محافظة، إلى 23 دائرة، بالإضافة إلى ثلاث دوائر للبدو.
وكان الإخوان المسلمون يرفضون المشاركة في الانتخابات الأردنية احتجاجا على نظام “الصوت الواحد”، الذي اتبع منذ منتصف التسعينات وينص على انتخاب مرشح واحد عن كل دائرة على أن تقسم البلاد إلى دوائر بعدد أعضاء المجلس النيابي؛ بحيث يكون عدد ناخبي الدوائر متساويا، إلا أن الحكومة أقرت قبل 20 يومًا مشروع قانون انتخابي جديد ألغى قانون “الصوت الواحد” المثير للجدل وخفض عدد مقاعد مجلس النواب من 150 إلى 130.
يقول المحلل الأردني عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية: “هذه الانتخابات تختلف عن سابقتها، والبرلمان المقبل سيكون أفضل مما سبق؛ لوجود نكهة سياسية حزبية في ظل مشاركة جميع القوى السياسية”، مضيفا: “قد تطلق الانتخابات ديناميكيات جديدة في العمل السياسي، لكن بصورة محدودة، حيث لا توقعات أو تغييرات جدية في الطبقة والنخب.. وقانون الانتخابات مصمم بهدف منع حصول أي مفاجآت كبرى”.
وفيما يخص مشاركة جماعة الإخوان، أكد الرنتاوي أن الدولة تواجه اختبارا يتمثل في أن الإخوان اختاروا المشاركة بكامل قوتهم بعد كل السياسات والإجراءات التضييقية التي اعتمدتها الدولة ضدهم، مضيفا: “الانتخابات اختبار يواجه الجماعة كذلك؛ حيث دخلت معركة الانتخابات بعد قطيعة طويلة وحملة شديدة عليها وانشقاقات داخلية”، ومتابعا: “الجماعة تريد خوض الانتخابات والحصول على تمثيل في البرلمان لتعيد بناء شرعيتها عبر بوابته وتوفر لنفسها قنوات تواصل واتصال مع الدولة بعدما سدت النوافذ والقنوات”.
وشهدت العلاقة بين السلطات الأردنية وجماعة الإخوان في الفترة الأخيرة مرحلة توتر، خاصة مع بداية ثورات الربيع العربي عام 2011؛ حيث استغل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للجماعة الحراكات التي شهدها الوطن العربي، وطالب بالعديد من الإصلاحات، وهو أمر أثار أزمة واسعة مع الحكومة التي استغلت بدورها سقوط الإخوان المدوي في المنطقة، فضلًا عن ظهور انقسامات داخل الإخوان لتعلن صراحة الحرب على الجماعة وتمنح ترخيصا لجمعية تحمل اسم “جمعية الإخوان المسلمين” في مارس 2015 تضم عشرات المفصولين من الجماعة الأم.
واتهم الإخوان السلطات بمحاولة شق الجماعة باستخدام المفصولين لإنشاء كيان موازي، فيما اعتبرت السلطات الأردنية أن الجماعة الأم باتت غير قانونية لعدم حصولها على ترخيص جديد بموجب قانون الأحزاب والجمعيات الذي أقر عام 2014، فأغلقت عشرات المقرات للجماعة بالشمع الأحمر، وقضى نائب المراقب العام للجماعة، زكي بني رشيد، عاما ونصف العام في السجن بتهمة انتقاد دولة الإمارات عبر صفحته على موقع فيسبوك.
فرص الإخوان والمعارضة
رغم كل التضييقات التي مارستها الحكومة الأردنية على الإخوان بعد ثورات الربيع العربي كعقاب على موقفها، إلا أنه بتغيير قانون الصوت الواحد، يبدو أن الحكومة راغبة في مشاركة جميع الأحزاب والحركات في الانتخابات البرلمانية حتى المعارضة بواقع محدود؛ ليكون البرلمان تحت سيطرة الأحزاب المؤيدة والداعمة للحكومة؛ حيث استطاع حزب جبهة العمل الإسلامي تشكيل تحالف انتخابي ليخوض به الانتخابات، وتشكل التحالف من شخصيات أعضاء في جماعة الإخوان وشخصيات وطنية مستقلة ومسيحيين، لكن تشير معظم التوقعات إلى أن هذا التحالف لن يستطيع الفوز بمقاعد في البرلمان تمكنه من التأثير في مجريات العملية النيابية.
وتشارك الإخوان في الانتخابات بـ117 مرشحا في 19 قائمة، من أصل ألف و243 مرشحا يخوضون الانتخابات، بينما فضلت الأحزاب اليسارية المشاركة عبر رموزها بـ12 مرشحا في 8 قوائم فقط، إضافة إلى بعض الشخصيات المعارضة في عدد من القوائم تعد على أصابع اليد الواحدة، ما يعني أن قوائم المعارضة لا تزيد على 30 قائمة من أصل 227 ترشحت في جميع أنحاء المملكة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار القانون الانتخابي الجديد وطريقة الاحتساب التي اعتمدتها الهيئة المستقلة للانتخاب وحسب مجمل الدراسات، فلا تتيح للمعارضة فوز أكثر من مرشح واحد على الأغلب في القائمة، وإذا افترضنا فوز نصف أو ثلثي قوائم المعارضة، فإنها لن تحظى بأكثر من 25 مقعدا في البرلمان من أصل 130.
تحقيق الاستقرار للمملكة
أوضح عدد من المحللين أن نجاح الانتخابات وعدم تزويرها يعني مرحلة جديدة من الاستقرار في الدولة بعد مشاركة جميع الأحزاب دون إقصاء، فقال المحلل الأردني عريب الرنتاوي إن الاختبار الأول للدولة، إثبات قدرتها على تنظيم انتخابات نزيهة وحرة وشفافة؛ لأن الرأي العام لديه شكوك كبيرة استنادا لنتائج سابقة واعترافات حكومية بوقوع تزوير واسع النطاق.
وأكد محمد أبو رمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن الانتخابات اختبار مهم وخطير للدولة؛ فمشاركة حزب جبهة العمل ستمثل تحديا كبيرا بعد غياب طويل لما له من ثقل وما يمثله من صوت معارض للسياسات الرسمية عموما.
موضوعات ذات صلة..