نون والقلم

معطف الاستعارات

مهما اتسع عالمنا كأفراد يظل صغيًرا. فهو مؤلف من الأهل والأصدقاء والمعارف والذكريات. لكن العلماء يبحثون دائًما حولنا٬ ومن دون أن ندري٬ عن عالم عجيب يعيشون فيه. واحد يكتشف جزيئات الذرة٬ وواحد يتوصل إلى قياس حجم الخلايا البشرية التي لا يمكن رؤيتها. وعدد منهم يكتشفون بالمجاهر العظيمة كوكًبا آخر كل فترة. بعضهم

ذهب إلى أدغال الأمازون باحًثا عن أنواع الطيور والحشرات. وبعضهم نزل إلى أعماق البحار ليصور ويدِّون أنواع ملايين المخلوقات البحرية القادرة على الحياة في الأعماق٬ بينما لا يستطيع الإنسان أن يغوص أبعد من مواسم اللؤلؤ. وقد أمضى أحدهم 42 عاًما باحًثا في نبتة ليقدم نتائج الدراسة إلى متحف التاريخ الطبيعي في لندن.

وتضم جدران هذا المتحف ما يفوق 80 مليوًنا من أنواع الحيوانات المحّنطة والحشرات والزواحف التي جيء بها من أنحاء العالم. وكان من زوار المتحف الدائمين عالِم يدعى ريتشارد ماينر زاِغر٬ الذي من مؤلفاته كتاب «طيور الجزيرة العربية». ظل صاحبنا مداوًما على العمل والبحث داخل المتحف من دون أن يخلع مرة معطفه الواسع

الطويل حتى في عز الصيف. وبعد وفاته٬ تكَّرم وتبرع بكل ما يملك من مجموعات ونماذج طبيعية إلى المتحف كبادرة وفاء.

انصرف عمال المتحف إلى فتح الصناديق وتصنيف ما فيها من ثروة علمية. وكان بين ما اكتشفوا فيها من كنوز وأسرار٬ سر المعطف الواسع الطويل! فقد كان يخبئ تحته ما يسرق من نماذج من المتحف نفسه٬ ليأخذها إلى المنزل ويدرسها في تأٍن.

للعلماء في أبحاثهم شؤون. البعض فكك الذرة من أجل تدمير العالم. والبعض الآخر يمضي حياته في مختبر بحًثا عن علاج يقضي به على الأوبئة والأمراض. والبعض لم يكتِف بما حققه الإنسان من نقل بالبواخر والقطارات أو السيارات٬ وقرر أن يخرق جدار الصوت٬ وأنُيرسل عربات تصور سطح المريخ والمشتري٬ وتزيد في حيرتنا

البسيطة كلما قطعت مسافات لا تصّدق في مسالك هذا الكون! هل نحن وحيدون على هذا الكوكب أم أن ثمة مخلوقات على الكواكب الأخرى؟ وقد أغنت حكايات الصحون الطائرة مخّيلة المتخيلين والفضوليين٬ وصّورت لنا السينما أفلاًما كثيرة عن وصول رجال من الفضاء هبطوا ثم عادوا من حيث أتوا. من دون أن نعرف٬ طبًعا٬ لا أين

هبطوا ولا من أين أتوا. وما زلنا لا نعرف٬ مدى ما لا نعرف٬ من الطبيعيات التي لم يتوصل إليها الإنسان. ففي كل فترة يكتشف عالِم نوًعا جديًدا من الأشجار في جبال كينيا٬أو من الزواحف في صحراء نيفادا٬ أو من الطحالب في الريف البريطاني. لقد جمع أحد العلماء 750 ألف نوع من الطحالب في رحلاته البريطانية وحدها. ماذا أفاد ذلك أهل

العلم؟ لا ندري٬ لكنهم ماضون. ومتحف التاريخ الطبيعي البريطاني يزداد غنى واتساًعا. ومعاطف تغطى تحتها المسروقات.

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button