نون والقلم
أيام العرب
«أيام العرب»، اصطلاح يُطلق على حروب العرب قبل الإسلام، ما بين معارك طاحنة، بين قبائل العرب بعضهم مع بعض، كيوم داحس والغبراء، ويوم حليمة، ويوم البسوس، أو بينهم وبين سواهم من الأمم كيوم ذي قار، بين العرب والفرس. وكانت تلك الحرب الوحيدة في التأريخ التي انتصر فيها العرب على أمَّة أخرى قبل الإسلام، فحروبهم فيما بينهم لم يكن فيها منتصرٌ ومهزومٌ، فالقاتلُ عربيٌّ، والمقتولُ عربيٌّ، حتى إذا بزغ نور الإسلام انتصر العرب على كل شعوب الأرض قاطبةً، حتَّى أنَّ الشمس باتت لا تغيب عن أرض الخلافة الإسلاميَّة شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، وفي العصر الحديث الذي نعيش فيه عاد العرب كما كانوا قبل الإسلام قبائلَ وشيعًا متناحرةً متنافرةً؛ لذلك كانت أيامهم هزائم تلو الهزائم، ونكبات تلو النكبات، إمَّا باقتتالهم فيما بينهم، أو بغزو أمم الأرض لبلادهم، وكما قال علي -رضي الله عنه-: «والذي نفسي بيده، ما غُزي قوم في عقر دارهم إلاَّ ذلَّوا»، وأنا ومن جايلني من الستينيين عشنا هذه الأيام الحزينة، أو معظمها، فسمعنا وقرأنا عن نكبة فلسطين في 48م، التي هُجِّر فيها الفلسطينيون من أرضهم، واستولى الصهاينة على جزء كبير من فلسطين، وتحقق وعد بلفور إلى آخر القصَّة المعروفة، وفي سنة ميلادنا في 56م، وقع العدوان الثلاثي على مصر، إثر تأميم قناة السويس، كما قرأنا وسمعنا وشاهدنا، وأخبرنا آباؤنا، وكان ذلك بداية تكالب الدول الكبرى مجتمعةً في حرب على العرب، ومعهم إسرائيل بالطبع، وكنا في العاشرة حين وقعت نكسة 67م، وهُزم العرب، واحتلت إسرائيل ما تبقى من أرض فلسطين، لتكون تلك النكسة قاصمةَ الظهر بعد نكبة 48م، وعشنا مع أهلينا الحزن والوجوم، والشعور بالانكسار إلى أن تنفسنا بعض الصعداء في 73م، حين تكاتف العرب لأوّل مرة بقيادة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- والرئيس المصري الراحل أنور السادات، فتحقَّق نصر محدود، وتوقَّف الزحف العربي بضغوط خارجيَّة، وبعدها لم نتنفس الصعداء أبدًا، وتوالت الحروب على منطقتنا العربيَّة دون انقطاع حتَّى يوم الناس هذا، ففي 78- 79م بدأت الحرب العراقية الإيرانيَّة، كما أذكر، إثر أسوأ حدث شهدته المنطقة، وهو ما يُسمَّى «الثورة الإيرانيَّة»، التي ولّدت عدوًّا آخرَ للأمة العربيَّة لا يقل خسَّة عن إسرائيل نفسها، وخلال الحرب العراقيَّة الإيرانيَّة حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان 82، وكانت تلك انتكاسة أخرى للعرب، وخلال أعوام قليلة، وبعد انتهاء الحرب الإيرانيَّة العراقيَّة اجتاح صدام حسين الكويت عام 90م، وفتَّت ذلك الأمة العربيَّة، وقسَّمها كما لم يحدث في التأريخ من قبل، ثمَّ نشبت حرب الخليج التي حرَّرت الكويت، ووُضع العراق تحت الحصار، ليأتي الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، وأزعمُ أنَّ تلك نكبة ونكسة في آنٍ معًا، فقد سلَّمت أمريكا منذ اللحظة الأولى العراق لإيران، إلى أن انسحبت من العراق، فأصبح العراق ولايةً إيرانيَّة، ولم يزل حتى الآن، وتوالت «الأيام»، وعشنا «الربيع العربي» العاصف المهلك، الذي أرجع الأمة كلّها مئات السنوات إلى الوراء، ومهَّد الطريق لإيران لفرض نفوذها، ولولا أنْ سخَّر الله رجلاً اسمه سلمان بن عبدالعزيز، لكان العالم العربي كله في قبضة العدو الفارسي، بمباركة كل القوى الكبرى، وفي ظل التحالف العربي والإسلامي، نأمل أن يحقق العرب نصرًا على الفرس، يكون تأريخيًّا، وأعظم من ذي قار، ولعلَّ السبب الأوَّل في هذه الانتكاسات المتتالية منذ وقبل أن نولد، أن العرب ابتعدوا عن الاعتدال في دينهم، وانقسموا فيما بينهم، وتقلّص المعتدلون إلى أبعد حدٍّ.