نون والقلم

أمة في أيدي الأمميين

ماذا يريد الوسطاء؟ يريدون إقناعنا بأن للمسائل حلولاً غير تهديم الأوطان؛ إقناع علي صالح بأن أحدًا لا يقاتل من كانوا أمس مواطنيه، وإقناع الحوثيين بأن اليمن أبقى لهم من إيران.
من المحيط إلى الخليج، «الوطن العربي الكبير» بين أيدي الوسطاء الدوليين. وكل فريق من «الإخوة» و«الأشقاء» و«الرفاق» لا يتحدث مع الفريق المضاد إلا في دولة ثالثة. ولمرة أولى وأخيرة، رأيت نفسي مع وزير خارجية لبنان جبران باسيل، عندما تسبب في وقف «الحوار الوطني» لأنه يعرف أنه ذاهب إلى الخواء ليطلب ويفرض ويهدد، وليس ليحاور.
وحده «الحوار» اللبناني الذي فجره جبران باسيل وزير الخارجية والدبلوماسية، كان من دون رعاية أممية. كل ما بقى لا بد من وسيط دولي يتعب ويشقى ويسافر ويعود، ثم يتعب ويخلفه وسيط آخر يتعب ويشقى ويسافر ويعود، ثم لا يعود. والحمد لله أننا في كنف العناية الدولية والأمم المتحدة التي ليس هناك من ينافسنا في ملفاتها وإضباراتها ومصاريفها، منذ القضية الأولى إلى قضية جنوب السودان، الذي طلب الانفصال لكي ينصرف إلى التقاتل مع نفسه، بعدما اشتاق إلى روائح القتل والخراب، مع العلم أنه ليس هناك ما يخرب في الأساس.
ماذا يريد الوسطاء؟ يريدون إقناعنا بأن للمسائل حلولاً غير تهديم الأوطان؛ إقناع علي صالح بأن أحدًا لا يقاتل من كانوا أمس مواطنيه، وإقناع الحوثيين بأن اليمن أبقى لهم من إيران، وإقناع النظام السوري بأن نصف مليون قتيل و12 مليون مشرد وملايين البيوت المدمرة لا يمكن أن يكونوا جميعًا تكفيريين، والدليل الأكبر سكان المناطق «المفيدة» أو «الآمنة».
نتمنى أن يبقى هناك ما يمكن التوسط من أجله، أو التفاوض عليه. وإنها لمناسبة جليلة تقتضي التقدم بالشكر لـ«حماس» لأنها توقفت عن «الجولات الأخيرة» من التفاوض والمصالحات والوساطات، وعن تكبد الأسفار من مكة إلى السنغال للقاء الإخوة في فتح، من أجل البحث في وقف المواجهة بينهما، وليس في المواجهة مع «العدو الصهيوني الغاشم».
تلك لغة نسيها العرب، أو خجلوا من تكرارها أمام أبنائهم، فالعدو الغاشم يدمر منزلاً أو اثنين بين حين وآخر، بينما الشقيق الرؤوف يدمر مدنًا، ثم يعيد تدميرها، ثم يرى جدارًا لا يزال واقفًا، فيغير عليه.
يُخيل إليك أن هذه أمور لا تحدث إلا في أسوأ الكوابيس، ثم تفيق فتتأكد أن الكابوس والحقيقة في الأمة واحد، وأن دور الوسطاء هو التواطؤ غير الواعي في المماطلة والنفاق وحفر قبور الناس ومدافن الأمل. العرب لا يعرفون معنى الحوار، كما أكد راعي الدبلوماسية اللبنانية، وهي في الحال التي هي عليه اليوم. تعالوا إلى الحوار، لكن لا حق لكم في الكلام، هكذا قال عزة الدوري للشيخ سعد العبد الله.. الباقي معروف.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى