اليمن ليس أفغانستان حتى لو تشاركا في الجغرافيا الوعرة القاسية والتاريخ الهائج المضطرب.
واليمنيون غير الأفغان حتى لو انقسموا مثلهم شيعاً وقبائل وجماعات، وحتى لو عاشت بين ظهرانيهم هم أيضاً «القاعدة» وأخواتها من التنظيمات والجماعات الدينية المتطرفة.
الجغرافيا والتاريخ صنعا معاً هذه القواسم المشتركة بين البلدين والشعبين، ولكن مع ذلك تبقى الفروق كبيرة بين الحالتين.
ويبقى لليمن عمقه الحضاري، وميراثه الثقافي الفريد، وماضيه التليد كجزء من أمته العربية الكبيرة، وبامتداده وتفاعلاته الآسيوية والإفريقية الثرية.
غير أن التشابه بين التجربتين اليمنية والأفغانية يظل حاضراً بقوة عندما نتابع الحرب الحالية التي تخوضها المقاومة اليمنية بدعم من التحالف العربي ، لتخليص البلاد من قبضة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
الدرس الأول الذي نتعلمه من التاريخ الأفغاني يقول إن اليمن يمكن أن يسقط في نفس الهوة التي سقطت فيها أفغانستان بعد انتهاء الاحتلال السوفييتي، والتي ما زالت تتردى فيها في ظل الوجود الأمريكي.
هذا السيناريو القاتم هو ما يجب أن يحذر منه اليمنيون والشركاء العرب الأعضاء في التحالف.
نفس الدرس يقول إنه في أحيان كثيرة عندما ينتصر اهل البلد ومقاومتها الساعية الى استعادة الدولة ممن اغتصبوها سرعان ما يدب الخلاف بينهم، وينفرط عقد اتحادهم، بل يصيروا أخوة أعداء يتقاتلون طلباً للسلطة والمال والنفوذ .هذا هو ما حدث في أفغانستان وما لا يجب أن يتكرر في اليمن.
لم يقف سيناريو الضياع الأفغاني عند هذا الحد، لأن القتال بين الأخوة الأعداء سرعان ما خلق بيئة حاضنة للتطرف والإرهاب.
وهيأ ذلك للتنظيمات الدينية المتشددة أرضاً خصبة ممهدة لإقامتها وتمددها، ولكي تنشب مخالبها المخيفة في أحشاء المجتمع كله بعد ذلك.
هذا أيضا ما انتهت إليه التجربة الأفغانية، وما يخشى أن يكون هو مصير اليمن بعد حين.
ما يضاعف من تلك المخاوف أن اليمن يؤوي بالفعل العديد من هذه التنظيمات التي أصبح لها قواعد وكوادر تعتمد عليها، وتهدد من خلالها مستقبل الاستقرار في البلاد.
ومع كل تقدم يحرزه التحالف العربي؛ لتخليص اليمن من الحوثيين يزداد الأمل في مستقبل أفضل، ولكن في الوقت نفسه تتعاظم المخاوف مما يمكن أن يحمله الغد لليمن.
ولن يكون أمراً مفرحاً أن يتخلص اليمن من الحوثيين ؛ ليقع في أيدى تنظيمات متطرفة أو إرهابية. ولا يعقل أن تنتهى الحرب الحالية لتبدأ أخرى ضد تلك التنظيمات، وإلا لكان اليمن كمن يستجير من الرمضاء بالنار.
هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه اليمينيين ،وهو الاختبار الصعب الذي سقط فيه الأفغان من قبل. ربما يكون من حسن حظ أهل اليمن أن هناك يداً تمتد إليهم بالمساعدة. وربما كان من حسن حظهم أيضاً أنهم أكثر وعياً وثقافة . ولديهم في الوقت ذاته ميزة أخرى هي أن خلفهم ميراثاً ضخماً من التجارب. وفي تاريخهم الحديث محن وفترات عصيبة طويلة لا شك في أنهم تعلموا منها الكثير ،واختزنوا دروسها في ذاكرتهم. ومع ذلك لا تبدو المهمة يسيرة.
اليمن بالفعل ممزق سياسياً، ومنهار اقتصادياً، وبنيته التحتية تكاد تكون مدمرة تماماً، ونسبة البطالة تصل إلى 35% ويقال إن الرقم الحقيقي هو 50%.
محنة اليمن باختصار لخصها المحلل السياسي الأمريكي كريستوفر بوسيك في تصريح أدلى به لوكالة رويترز الأسبوع الماضي قال فيه : «إن كل ما يمكن قوله عن وضع سيئ في أي دولة في العالم موجود في اليمن». ولم تنقصه الصراحة ليضيف :«أن كل دولة في المنطقة تمر بمشكلة في الوقت الراهن، إلا أن اليمن لديه كل هذه المشاكل».
ومن المؤكد أنه بمساعدة كبيرة وسخية من الأشقاء العرب، والخليجيين تحديداً، يمكن لليمن أن يواجه تحديات ما بعد الحرب والتي تتوافر دلائل مشجعة على أنها تتجه إلى نهايتها بالفعل على ضوء الانتصارات الأخيرة التي حققها التحالف العربي ونجاحه في مساعدة المقاومة في استرداد الجنوب بالكامل من أيدى الحوثيين.
وإذا سارت الأمور على نفس النهج فلن يمضي وقت طويل قبل أن تستعيد قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي سيطرتها على معظم الأراضي اليمنية. ومع ذلك فإن هذه لن تكون النهاية السعيدة لقصة اليمن ومعاناته.
والمطلوب هنا أن يتحرك، بمساعدة الأشقاء العرب، على مسارين متوازيين: الأول هو إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين ،وإحياء النشاط الاقتصادي.
أما المسار الثاني الذي لا يقل صعوبة فهو إطلاق حوار وطني شامل حول تسوية سياسية تضع البلاد على أعتاب مرحلة الاستقرار والهدوء. ولن يتحقق هذا إلا من خلال مصالحة داخلية ودستور عصري يؤسس لدولة مدنية موحدة. ولدى اليمنيين أنفسهم خبرة طيبة وأفكار جيدة في هذا الشأن.
أخيراً، يجب الاعتراف بأنه إذا كان اليمن في حاجة إلى العرب لتجاوز حاضره الصعب وتحقيق الاستقرار والسلام، فإن العرب أيضاً وفي المقابل يحتاجون إلى يمن ينعم بالاستقرار والهدوء والسلام.
هذه متطلبات مصلحة مشتركة، وليس فقط نداء الواجب الذي تمليه مشاعر الأخوة.
نقلا عن صحيفة الخليج