يبحث الناشر طوال عمله عن كاتب – أو كتاب – يغني داره. ويبحث الكاتب طوال عمره عن ناشر يسهل أمامه النجاح. ليس دائما يلتقيان. الأول يدير صناعة لها ضروراتها، والثاني يشقى في عمل له، أو ليس له، حظوظه.
الكتّاب الأكثر دخلا بالإنجليزية هذا العام، هم كالعادة، كتّاب الروايات المثيرة، أي غير الأدبية. يتحسر الأدباء والشعراء على هذا الواقع، لكن شيئا لا يتغيَّر. الكتابة، مثل أي شيء آخر، سلعة أو «بضاعة».
عندما عرض مارسيل بروست «بحثا عن الزمن الضائع» على الناشرين،ُرفضت بحجة أنها غير صالحة للنشر. طبعها على نفقته الخاصة. ثم تلقفها الناشرون. ثم أصبحت «رواية القرن العشرين».
تعطى نوبل الآداب لمؤلف واحد كل عام. بعدها يصبح «الأكثر مبيعًا». والأكثر شهرة. لكن كم مستحق لا تعرف به نوبل على مر السنين. وماذا في إمكانها أن تفعل حيال ذلك؟ وهل الذين قرأوا نجيب محفوظ قبل نوبل، قرأوه بالمشاعر نفسها من بعدها؟
يبحث الناشر طوال عمله عن كاتب – أو كتاب – يغني داره. ويبحث الكاتب طوال عمره عن ناشر يسهل أمامه النجاح. ليس دائما يلتقيان. الأول يدير صناعة لها ضروراتها، والثاني يشقى في عمل له، أو ليس له، حظوظه.
معظم الكتّاب في الماضي – مثل معظم الرسامين – عرفت أعمالهم النجاح بعد غيابهم. ماتوا معوزين وحصد ورثتهم ثروات خيالية. أحد هؤلاء كان جبران خليل جبران، الذي غامر الناشر الأميركي كنوبف بنشر مسوداته الأولى، ليكتشف بعد سنة أنه وقع على ثروة نقلته من ناشر عادي إلى إحدى كبريات دور النشر. الحالات المشابهة في حركة النشر العربي نادرة جدا.
غازي القصيبي باع من كتابه عن الإدارة 400 ألف نسخة. محمد حسنين هيكل كانت كتبه تبيع خارج مصر. الناشرون المتقنون مثل «العبيكان» و«الشروق» و«الساقي» و«مدبولي» و«الدار العربية للعلوم» يدعمون طبع الكتب «الرصينة» بتوزيع الكتب الشعبية.
«دار النهار» التي كانت طوال سنين أرقى دار نشر في لبنان، على وشك أن تنهار تحت ثقل ديونها. وقعت ضحية الكتاب الراقي والقارئ المفقود. ثمة مأساة مشتركة بين الناشر والكاتب في العالم العربي: عليهما مطاردة القارئ في المعارض الموسمية لأنه لا يذهب إلى المكتبات ولا يكترث لذلك.
وقد طبقت «العبيكان» آخر أساليب الحداثة في الطبع والنشر والتوزيع، لكنها لا تزال تدعم عملية النشر من خلال الصناعات الأخرى التي تملكها العائلة. خلاصة البحث أن الكاتب والناشر في محنة، مهما علا شأن الاثنين. وأمام هذا المأزق من الصعب عليهما تحدي الرياح المعاكسة.