السعودية لن ترفع أسعار الوقود حتى تكمل مشاريع النقل العام، وهي بذلك تؤكد اتجاهاً تعمل عليه منذ سنوات، وهي تأخرت في إطلاق العمل في مشاريع النقل العام، ستتمهل قليلاً قبل البدء التدريجي في رفع الدعم عن الوقود، الذي سيضيف إلى خزانتها مئات بلايين الريالات، وإلى بيئتها الشيء الكثير الذي سينعكس إيجاباً على فاتورة الرعاية الصحية والزراعة والغذاء.
السعودية تعمل أيضاً، وعلى خط مواز ومهم، على رفع كفاءة استهلاك الطاقة، وهي طبقت معايير صارمة على مصنّعي ومستوردي السيارات في واحد من أهم مشاريعها الاستراتيجية، التي شملت أيضاً كفاءة استهلاك الطاقة الكهربائية التي لا يزال معظم توليدها يعتمد على الوقود والغاز، وعلى المدى البعيد ستحقق البلاد كثيراً من الوفر في استهلاك الطاقتين.
صندوق النقد الدولي يطرح فكرة رفع الدعم عن الوقود وغيره على الجميع، وهو اقترح على السعودية إعادة النظر في أجور القطاع العام، وهي نقطة حساسة لا أحسب أن السعودية ستقدم عليها، إذ لم تفعل ذلك طوال تاريخها، لكنها ربما أعادت النظر في رفع كفاءة القطاع العام عبر رفع الإنتاجية وتقليل الهدر، فهي في مرحلة شد الحزام الذي ارتخى خلال سنوات في دورة بتنا نعرفها، ارتبطت عملياً ونفسياً بسعر برميل النفط.
الهاجس الاقتصادي يتصاعد هذه الأيام، وبدأت حرب الإشاعات تتناقلها وسائل الاتصال، ولا بد للسعودي الحصيف ألا يرفع معدل تداول إشاعات سخيفة مغرضة، مثل أن خزانة بلاده مقبلة على الإفلاس، وعليه ألا ينسى أن هناك حروباً قائمة في المنطقة، وأن جزءاً من هذه الحروب هو الحرب النفسية لإضعاف الجبهة الداخلية السعودية التي أثبتت تماسكاً قوياً في كل المراحل.
لا تدعي السعودية الكمال، وتعرف أن هناك قصوراً وثغرات في بعض الجهات الحكومية، ولعلها اليوم أكثر قرباً من كفاءة الإنفاق، على غرار كفاءة الطاقة، فهي تحاول أن تكون مخرجات إنفاقها أفضل مستوى، وأكثر انعكاساً على المواطنين.
ربما باتت الحاجة أكثر إلى «رفع الدعم» عن الموظف الحكومي في الموقع المسؤول، الذي أثبت عدم كفاءة إدارة وإنتاج، لتكون بداية التخلص من الهدر عبر التخلص من مدمني البيروقراطية والتأجيل، والمتخوفين من التغيير والتحديث الذي تسعى إليه القيادة السعودية.
ويبقى حديث الاقتصاديين هو كيفية تقليل الاعتماد على النفط، وهو الحلم القديم المتجدد الذي كلما بتنا قريبين من ملامحه ارتفعت أسعار النفط، لنلتفت إلى استثمارها أكثر من التفاتنا إلى كيفية الوصول إلى يوم لا نعود نحتاج إليها.
لا يتغير السلوك الاقتصادي إلا بتغير ثقافة الناس، ولا تتغير الأخيرة إلا بتغيير جذري في أنماط حياتهم، ولذا فإن النقل العام ليس مجرد وسيلة لتقليل الاعتماد على السيارات، والسماح بإمكان رفع الوقود، إنه ملمح حضاري يعلم الناس كثيراً من أساليب التحضر، ويجعلهم أكثر إحساساً بقيمة أشياء مهمة كالوقت والبيئة والنظام، وربما عدم التمايز إلا بما تقدمه العقول والسواعد، وليس بالسيارات الفاخرة.