بيننا وبين أوروبا صراع قديم٬ يغيب ويعود٬ يغفو ويطفو. والسبب الأساسي٬ أو الجوهري٬ أنه صراع جوار. أي صراع أرض وحضارات. مرةُتعَبُر الحدود من هذا الجانب٬ومرة من ذاك ومرة ينتشر الإسلام هنا٬ ومرة المسيحية هناك.
الصراعات الدينية تعيش طويلاً وليس بين الطوائف المختلفة٬ بل بين أهل الطائفة الواحدة. كما في حروب المسيحية كما في حروب الإسلام. نحو العام الألف٬ زحفت أوروبا كلها إلى القدس. باع الفقراء كل ما يملكون وجاءوا ينتظرون قيامة القيامة مع ختام الألفية وظهور المسيح في كنيسة القيامة.
لكن الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس ظلوا يتقاتلون حتى نهاية القرن الماضي. وزاد قيام إسرائيل في حدة وتوسع الصراع العربي الأوروبي. لكن فجأة٬ برزت
الحروب الإسلامية من دون إعلان رسمي٬ أو تسمية صريحة٬ فيما ازدادت في الوقت نفسه معالم الصراع الإسلامي الأوروبي.
وليست معركة «البوركيني» سوى صورة تكاد تكون هزلية من صور الصراع. ففرنسا التي منعت المرأة المنّقبة٬ لم تنتبه في حمأة الصراع إلى أن المرأة المسلمة تطلب السباحة والنزول إلى البحر مثل المرأة الغربية٬ وإنما بلباس مغاير. وهو يشبه إلى حد بعيد لباس البحر في أوروبا وأميركا حتى الثلاثينات من القرن الماضي٬ كما نراها في الأفلام الصامتة.
غير أن المسألة مسألة تحٍد من الفريقين. وقرار مجلس الدولة في فرنسا تجاوز الصراع السياسي الذي أشعله «البوركيني»٬ لأن المجلس هيئة دستورية غير سياسية لا يخوض الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية٬ بل يحصر عمله في حماية الدولة والقانون. وما من قانون يمنع زًيا معيًنا على الشاطئ أو في الشارع. خصوًصا إذا كان المنع سيؤدي إلى نزاع اجتماعي يحرك الكوامن ومشاعر الانتقام لدى الفريقين.
تترك علاقات الجوار المتوتر آثاًرا طويلة. ليس بيننا وبين البوذيين أو الكونفوشيين في الصين مشاعر عداء وانتقام وتوتر. في حين لا يزول هذا الوضع في كشمير أو في العلاقة الهندية الباكستانية.
في هذه الصراعات يعثر على الحلول أهل العقل والعدل والقانون. رجال مثل مجلس الدولة الفرنسي أو مثل مفتي باريس٬ الحضاري المتحضر. وإلا فإن العقل العادي سوف يظل يربط بين «البوركيني» على شاطئ نيس٬ وبين الهمجي الذي سحق بشاحنته مائة بشري يطلبون نجوم المساء.