- أهم الأخباراخترنا لكالأخبار

لغز «درع الفرات» التركية في جرابلس

في صباح الأربعاء الماضي فوجئ الجميع بعبور الجيش التركي الحدود السورية بعدد من الدبابات من ناحية قراقميش التركية؛ للدخول إلى مدينة جرابلس السورية؛ لمساعدة ما يسمي بالجيش السوري الحر والجماعات المعارضة ، فيما أسمته تركيا على لسان متحديثها في ذلك الوقت بعملية «درع الفرات»، وقالت حينها إنه بدعم من قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكية، وإن العملية ستكون لعدة أيام؛ حتى تسيطر الجماعات الموالية لها على المدينة التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي منذ عامين حتى وقت العملية، في نفس الوقت أثارت العملية الكثير من التساؤلات حول أهدافها وأبعادها وردود الأفعال الداخلية السورية تجاهها.

لم تكن أسباب وأهداف عملية «درع الفرات» غيرواضحة كما هو المعتاد في مثل هذه العمليات، والتى يصفها الكثير بالاحتلال؛ كونها بدون موافقة حكومية، حيث كانت تصريحات الخارجية والجيش التركي والرئيس التركي ورئيس وزرائه بن على يلدريم واضحة، بداية من تأكيد وزير الدفاع التركي، فكري إيشيك، الذي قال إن لعملية «درع الفرات» هدفين، أحدهما تأمين الحدود التركية، والثاني منع وحدات حماية الشعب الكردية من الوصول إلى هناك، وإبعادها إلى منطقة شرق الفرات في غضون أسبوع، وصولًا لتوضيح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أحد لقاءاته أن لدرع الفرات أهدافًا من ضمنها “وضع حد للهجمات التي تستهدف تركيا من داخل الأراضي السورية”، وذلك  بعد يوم واحد من هجمات إرهابية وصفت بأنها الأكثر دموية في تركيا خلال السنوات الماضية، والتي استهدفت حفل زفاف بمدينة غازي عنتاب الحدودية، وراح ضحيتها أكثر من 50 قتيلًا.

التمهيد لعملية درع الفرات كان حاضرًا في تصريحات القيادة التركية قبل أيام من شن العملية «سنتتبع الأكراد ولو داخل الأراضي السورية».. تلك التصريحات التركية التي صدرت قبل أيام من انطلاق «درع الفرات» تعكس الأهداف التي تسعى إليها تركيا بالتخلص من الأكراد على الشريط الحدودي مع سوريا ومنعهم من إقامة أي كيان خاص، بعد أن سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على مدينة منبج أكبر معاقل تنظيم داعش، والسعي إلى فصل مدينة جرابلس عن هذا التمدد الكردي، حيث تعد المدينة ذات أهمية استراتيجة واسعة لوحدات حماية الشعب الكردي، والتي تسعى إلى ربط مناطق نفوذها على الشريط الحدودي بين مدينة عين العرب كوباني وعفرين ومنبج.

كما أن لهذا التحرك هدفًا آخر، وهو إقامة منطقة آمنة وحظر الطيران بعمق 10 كلم داخل الأراضي السورية؛ وذلك لتوطين المعارضة الموالية لتركيا والمسلحين الموالين لها وإنشاء مخيمات مخصصة للنازخين واللاجئين السوريين؛ حتى لا تكون أنقرة عرضة للفوضى، بعد تزايد تعرض بعض المناطق التركية الجنوبية إلى القصف والتفجيرات، خاصة مدينة كيليكس الحدودية مع سوريا، وهو المشروع الذي لقي ترحيبًا من جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخرًا خلال زيارة أجرتها لتركيا، ولكن لا يزال هناك تحفظات روسية أمريكية عليه، فبالإضافة إلى الاعتراض الروسي فإن المشروع قد يدخل تحت الفصل السابع، ولابد من قرار بمجلس الأمن، ويواجه إنشاء هذه المنطقة عوائق، خاصة أن واشنطن تدعم على الجانب الآخر الأكراد، وترغب في استمرار قوتهم ونفوذهم، وتدعم بقاءهم في هذه المنطقة الحدودية بتركيا.

ومن أهداف هذه العملية أيضًا أنه بعد تقدم الجيش السوري على عدة محاور داخل حلب مستردًّا الكثير من المناطق المسيطر عليها القوى المسلحة المعارضة الموالية لمحور تركيا السعودية قطر، أصبحت هذه القوى على وشك الانهيار، وبات من المؤكد أنه في غضون أيام ستختفي. وسيكون لهذا الأمر التأثير الواضح على الدور التركي في سوريا، حيث إن المعارضة التي دخلت جرابلس بعد العملية كانت متواجدة داخل الأراضي التركية على الحدود مع سوريا، وهو ما يؤكد أنها كانت أشبه بالمطرودة من الأراضي السورية بعد تقدم النظام، لذلك سعت أنقرة إلى تعزيز دورها مرة أخرى، من خلال إعطاء ورقة جرابلس لمؤيديها في الداخل السوري (الجيش السوري الحر- النصرة- أحرار الشام -جماعة الزنكي التي قتلت الطفل الفلسطيني مؤخرًا ).

كما أن تصريحات وزير الدفاع التركي فكري إيشيك في حوار لأحد المواقع المحلية أن من حق بلاده البقاء في جرابلس حتى إحكام سيطرة المعارضة المعتدلة والجيش السوري الحر على المنطقة، بل والاستمرار فيها، توضح نية الأتراك على البقاء بهذه المدينة، وتدلل على احتمالية استعادة أنقرة لتاريخ الدولة العثمانية في هذا المجال، حيث لن تحرك تركيا جيشها وأسطولها نحو حدود أخرى إلا إذا أرادت أن تزحف وتحتل أراضي الغير بشكل استعماري دون أن تتراجع، وتاريخها حافل بذلك، والسوابق كثيرة إبان الحكم العثماني (قبرص وكليكيا ولواء إسكندرونة السوري وغير ذلك).

توقيت العملية

كان مهمًّا أن تختار أنقرة توقيتًا مناسبًا لإجراء مثل هذه العملية، فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو الماضي، والاتهامات التي تداولت على نطاق واسع بأن واشنطن كانت وراء الانقلاب الفاشل، إضافة لرفض الأخيرة تسليم ما تراه القيادة التركية قائد المحاولة الانقلابية فتح الله كولن، انتظرت تركيا أن تدفع الولايات المتحدة فاتورة كل ذلك من خلال المساعدة والتمهيد لدخول أنقرة جرابلس تحت حماية قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكية. وعلى الرغم من أن هذه المنطقة تمثل أهمية قصوى للحليف الكردي الذي تدعمه واشنطن على طول الخط في تركيا، إلا أن أمريكا تقبلت الفكرة للرد على السيل الواسع من الاتهامات التركية لواشنطن، وبغرض وقف الانزلاق التركي نحو الحضن الروسي الإيراني السوري الذي ظهر في تصريحات كافة المسؤولين الأتراك في الفترة الأخيرة، وبعد زيارتين لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان لموسكو وطهران.

في المقابل فإن دخول أنقرة لهذه المنطقة التي يسيطر عليها داعش من الممكن توضيحه وتبريره من الأمريكان للحليف الكردي على أساس أن الكرد سيطروا وبمساعدة أمريكية واسعة على الكثير من المناطق السورية، كمنبج وعين العرب كوباني على الحدود التركية، وأن هذه المنطقة (جرابلس) ما زالت تحت سيطرة داعش الإرهابي، ولم يكن بمقدور الكرد السيطرة عليها في الوقت الراهن.

يأتي ذلك بالتزامن مع تحركات أمريكية لتهدئة حدة التوتر الذي شاب العلاقات التركية الأمريكية، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي تكللت بزيارة جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، لأنقرة، وهو أكبر مسؤول أمريكي يزور تركيا في الشهر الأخير. وقال بايدن في زيارته إن تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني نشرا الدمار في جنوب شرق تركيا،  كما أكد التزام بلاده بالشروط القانونية لتسليم فتح الله كولن، القاطن بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وجدد بايدن نفي علم بلاده المسبق بمحاولة الانقلاب، مكررًا إدانتها، مشددًا على أنه «لا صديق لتركيا أهم من أمريكا»، على حد تعبيره.

بالاضافة إلى ذلك اختارت أنقرة توقيتًا مهمًّا بالنسبة لها متزامنًا مع تحولها السياسي الذي اعتدنا عليه في السنوات القليلة الماضية بين المحاور المختلفة، فبعد هدوء واضح فى جبهة الصراع الروسي التركي وعودة العلاقة كما كانت في السابق قبل توترها بعد سقوط الجيش التركي الطائرة الروسية سوخوي وتحركات أنقرة لتعزيز العلاقات مع طهران بعد زيارة أردوغان الأخيرة، حاولت أنقرة تجنب رد الفعل الروسي الإيراني السوري المنفعل جراء هذا التدخل الذي قد يصل إلى حد الاشتباك، والذي لا يعلم أحد تحولاته في المرحلة المقبلة؛ نظرًا لسرعة التطورات والتغير في بنك الأهداف التركية.

الجماعات التي دخلت «جرابلس» بدعم تركي

تؤكد الكثير من الصور والتقارير التي سبقت عملية درع الفرات أن تنظيم داعش الإرهابي سحب الكثير من مقاتليه وعائلاته ومعداته العسكرية من مدينة «جرابلس» قبل أيام من بدء العملية، ونقلهم إلى مدينة الرقة معقل التنظيم الإرهابي في سوريا، بالتزامن مع ذلك كانت هناك حشود من الجماعات المسلحة الموالية لأنقرة في الجانب التركي من الحدود بقرقميش؛ استعدادًا لدخول جرابلس مع القوات التركية.

وفي الساعات الأولى من صباح الأربعاء بدأت الدبابات التركية تعبر الحدود السورية إلى مدينة جرابلس، وذلك مع شن غارات وصواريخ عديدة على المدينة، وبعد دقائق من هذه الغارات، فتحت معدات البناء؛ لإعداد محطات مرور تم إعدادها مسبقًا، ليوضح هذا الأمر أن هذه المعركة لم تأخذ سوى ساعات، وأنها لم تلقَ أي مانع من تنظيم داعش. وما يدل على ذلك هو عدم نشر أي أخبار تتعلق بقتل أي من الجانبين سوى الإعلان عن مقتل شخص واحد من جانب المعارضة التي تصفها تركيا بالمعتدلة.

وبحسب تصريحات كردية تضم المجموعات المعارضة التي دخلت جرابلس بصحبة الدبابات التركية (حركة جبهة النصرة وأحرار الشام و”السلطان مراد”، “نور الدين زنكي” و”جيش الفتح” وغيرها من المجموعات المتطرفة)، أكد رئيس ممثيلة الأكراد بموسكو، عثمان رودي، أن  الجماعات المسلحة المتطرفة شاركت بجانب تركيا في الهجوم على مدينة جرابلس السورية.

وأكد عثمان أن الدبابات التركية دخلت على بعد 6 كيلومترات إلى الغرب من مدينة جرابلس، مشيرًا إلى أن نشر أنصار أردوغان ممن يصفهم بالمعارضة لدحر داعش هو افتراء وكذب.. قائلًا “هذا الهجوم التركي المفاجئ هو جزء من مخطط أردوغان لإحياء الإمبراطورية العثمانية”.

وتأتي هذه الخطوة التركية بعد حرق الورقة الداعشية إعلاميًّا ودعم دخول عناصر النصرة للمناطق الحدودية السورية التركية وتأمينها، بعدما تم الترويج على أعلى مستوى في الأيام الأخيرة لخلع النصرة وحلفائها عباءة تنظيم القاعدة الإرهابي والترويج بعيدًا عن الحقيقة بفك ارتباطها عن كافة الجماعات الإرهابية. والجدير بالذكر أن تركيا وقطر عبرتا رسميًّا أكثر من مرة على لسان متحدثيها عن رغبتها في إعلان جبهة النصرة فك الارتباط عن القاعدة؛ حتى يتسنى لها الدخول في الحوار السياسي والاعتراف بها كفاعل سياسي.

وبعد ظهور الكثير من قيادات النصرة على الجزيرة والترويج بأنهم محور سياسي مهم، بات مسموحًا الآن ظهور «النصرة» و«الشام» كأطراف سياسية معارضة للنظام السوري تؤكد أنقرة وإعلامها اعتدالهما، بل وتسعى من أجل سيطرتهما على مناطق واسعة في سوريا؛ لتقربهما من النظام التركي، ووضع النصرة بدل داعش للتصدي لأي محاولة كردية للسيطرة على شمال سوريا وإقامة حكم ذاتي.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى