نون والقلم

خادعًا «داونينغ ستريت»

يلحق العار التاريخي في الغرب بالذين يخدعون شعوبهم٬ لا بالذينُيهزمون. «تقرير تشيلكوت» عن حرب العراق لا يدين توني بلير٬ لأنه خسر٬ بل لأنه شارك جورج دبليو بوش في إحدى أفقع الخدع التاريخية. صدر التقرير فيما تمر ستون عاًما على هزيمة أنتوني إيدن ونهايته السياسية في حرب السويس. إيدنُهزم لأنه كذب على شعبه٬ وخصوًصا٬ على حليفته الأولى٬ أميركا.

دِّبر العدوان الثلاثي على مصر على أساس أن تقوم إسرائيل بالاعتداء٬ ثم تتدخل بريطانيا وفرنسا بحجة فض الاشتباك بين الدولتين٬ وُتقدمان على إسقاط جمال عبد الناصر.

أول من ارتاع كان الرئيس الأميركي أيزنهاور٬ الذي قال: «قاذفات؟ ماذا يعتقد أنتوني إيدن أنه يفعل؟ لماذا يفعل ذلك بي؟». كان أيزنهاور قد حذر إيدن من استخدام القوة٬ لأن

من شأن ذلك دعم موقع الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة. ولم يتراجع عن المغامرة إلا بعد تحذير أيزنهاور٬ الذي هدده بأنه لن يساعده بالمال والنفط٬ فأمر قواته

بالانسحاب على عجل في طريقة مهينة٬ فيما عادت قناة السويس إلى الملكية المصرية.

أّدت الهزيمة الثلاثية في السويس إلى تقوية موقع عبد الناصر٬ وبداية انحسار المرحلة الاستعمارية الأوروبية برّمتها٬ وصعود النفوذ السوفياتي في العالم العربي والعالم الثالث.

عندما وقع العدوان على العراق٬ لم يكن في واشنطن رجل في اتزان أيزنهاور٬ بل مخادع.

تقرير «تشيلكوت» ليس كافًيا ولا شافًيا٬ ولكنه واجب قانوني تقوم به الدول بصرف النظر عن تغير الحكومات أو مرور الزمن. تقرير لجنة التحقيق في مقتل جون كيندي لم يحل شيًئا٬ لكنه بالنسبة إلى الدولة الأميركية٬ لا يزال الوثيقة الوحيدة المعتمدة. والأهمية في موضوع توني بلير أو أنتوني إيدن أو غي موليه٬ ليس أنهم أُدينوا في تاريخ شعوبنا٬ بل في تاريخ شعوبهم.

لم يصدر تقرير رسمي في أسباب نكسة 1967 مع أن هناك ألف رواية رسمية. وهناك مئات الإفادات والشهادات الشخصية٬ ولكن من دون مسؤولية واحدة. هناك ألف تفسير

لتلك الهزة التي زلزلت جذور وجذوع الضمير والوعي العربي٬ وليست هناك لجنة محاسبة واحدة. لذلك٬ ستظل كتابة التاريخ العربي مستحيلة.

أخبار ذات صلة

Back to top button