الأمثال الشعبية أحد فنون التراث التي أتقن الشعبان المصري والسوداني إلقائها وتطويرها بأسلوب شيق لمئات السنين حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من تراثهما العتيق، كما تحمل حكما أو نصائح أو تحذيرات أو مواعظ نابعة من خبرات في أمور عديدة من جوانب الحياة تربت عليها أجيال وتوارثتها.
ويعد تشابه بعض الأمثال الشعبية السودانية مع نظيرتها المصرية أحد المظاهر، التي تجلت فيها وحدة التاريخ والنيل والعديد من العادات والتقاليد التي تعكس أصالة الشعبين.
ورصد موفد وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى الخرطوم عددا من الأمثال الشعبية السودانية الطريفة التي تتشابه كثيرا مع نظيرتها المصرية، والتي كان لها دورا مهما في إرساء العادات والتقاليد عند الشعبين، وإن اختلفت لهجة النطق بها في بعض الأحيان أو أسلوبها والكلمات العامية المستخدمة فيها.. فمن الأمثال التي تتشابه كثيرا بين الشعبين “البِجاور السعيد بسعد” وهو مثل شعبي سوداني يعني أن من يصاحب شخصا سعيدا فإنه حتما سيصبح سعيدا مثله، وهو يتشابه تماما مع المثل المصري “من جاور السعيد يسعد”.
كما أن هناك مثلا شعبيا سودانيا يعني أنك إذا أردت أن تجعل شخصا في حيرة من أمره فاجعله مخيرا “الخيروه حيروه”، وهو يتشابه تماما مع المثل المصري “لو عاوز تحيره خيره”.. ومثلما يقول المثل المصري في حالة تحدث شخص عن أمر لا يعلم عنه شيء “اللي مايعرفش يقول عدس” يقول المثل السوداني “الماعارف بقول عدس”.
ومن الأمثال الشعبية السودانية التي تتفق مع نظيرتها المصرية في الحكمة المستفادة منها رغم اختلاف الأسلوب “الضايق لدغة الدبيب يخاف من جر الحبل” والذي يعني أن من يتعرض للدغة الثعبان يخشى جر الحبل، وهو يتفق مع المثل المصري “اللي يتلسع من الشربة ينفخ في الزبادي”، والمثلان يحملان نفس المعنى الذي مفاده أن من يتعرض لمشكلة كبرى قد يخشى بعدها من الأمور البسيطة.
وكذلك “المال تلتو ولا كتلتو” وهو مثل سوداني ينصح بأنه إذا كان لك حق عند أحد وتأخر في رده إليك فأقبل بما يعطيك إياه حتى وإن كان الثلث، لأن ذلك أفضل من انتظار الحصول عليه كله الذي قد لا يأت أبدا، وهو يتقارب كثيرا مع المثل المصري “اللي يجي منه أحسن منه”.. كما يتشابه المثل السوداني “الغالي بي غلاتو يضوقك حلاتو” مع المثل المصري “الغالي تمنه فيه”، و”الجمرة تحرق من يطأها” وهو بنفس معنى المثل الشعبي المصري “النار ماتحرقش غير إللي كابشها”.
ومن الأمثال الشعبية السودانية التي تحذر من غدر المنافقين “فى الوش حبايب وفى القفا دبايب” أي “ثعابين”، وهو يتفق مع المثل المصري في “الوش مرايا وفي القفا سلاية”.. ومن الأمثال الشعبية السودانية التي تحمل حكمة في معناها “الجايك ما بتتخاتك” بمعنى أنه سيصيبك القدر لا محالة وهو نفس معنى المثل الشعبي المصري “اللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين”.
ويقول الدكتور كمال الدين مختار أحمد الأستاذ المساعد بقسم علم الاجتماع نائب عميد كلية الآداب بجامعة “أم درمان” الإسلامية “إن الأمثال الشعبية تلخص خبرات الشعوب في العلاقات الإنسانية وتعبر عن علاقة الإنسان بالبيئة المحيطة، لذلك فهي تعمل كموجه للسلوك في المجتمع”.
وعن تشابه الأمثال الشعبية السودانية مع المصرية، أضاف كمال الدين – لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى الخرطوم – أن عناصر الثقافة المشتركة بين الشعبين، الدين الإسلامي واللغة العربية والبيئة الزراعية، بالإضافة إلى الاعتماد على مصدر مياه واحد هو نهر النيل جعل هناك تشابها ثقافيا كبيرا بين جنوب مصر وشمال السودان”.
ونوه بأن الجيرة والعلاقات التاريخية العميقة بين مصر والسودان، بالإضافة إلى الدراما والسينما المصرية التي لم يكن لهما منافس في الوطن العربي لسنوات طويلة كلها عوامل رئيسية ساهمت في انتقال المثل الشعبي المصري إلى الشعب السوداني، الذي لم يواجه أية صعوبة في فهمه بحكم الجوار.
وأوضح أن ترتيب القيم يختلف من مجتمع إلى أخر فيما يعرف في علم الاجتماع بـ”نسق القيم”.. فالقيمة التي تعتلي رأس الهرم في مجتمع قد تكون ترتيبها الثالث في مجتمع أخر، فمثلا في مصر الثقافة العامة واحدة فليس هناك تنوعا كبيرا لذلك نجد المثل الشعبي في شمال مصر كما هو في أقصى جنوبها، لأن القيم والعادات والتقاليد واحدة، ولكن في السودان تتعدد الثقافات وتختلف بين القبائل لذلك قد تختلف الأمثال من قبيلة إلى أخرى، عدا بعض القبائل العربية في الشمال والوسط التي لا تختلف كثيرا عن جنوب مصر.