يبدو أن الكورتين يشكلان في صراعتهما التي لا تنتهي، مقياسًا حساسًا للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فعندما تسوء العلاقة بين واشنطن وموسكو، نجد أن العلاقة بين بيونج يانج وسول تزداد توترًا، في ظل دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة بشكل قوي مؤخرًا ورغبتها في نشر منظومة ثاد الصاروخية على الأراضي الكورية الجنوبية، الأمر الذي يغضب جارتها الشمالية، بالإضافة لروسيا والصين.
بيونغ يانغ تستأنف إنتاج البلوتونيوم
دعم الولايات المتحدة الجنوبية لكوريا الجنوبية يشكل استفزازًا مستمرًا لكوريا الشمالية، وتعكسه بيونج يانج عن طريق تجاربها النووية والصاروخية، ومؤخرًا، طورت كوريا الشمالية أسلوبًا تصعيديًا يختلف عن رسائلها التصعيدية السابقة.
أوردت مصادر إعلامية يوم الأربعاء الماضي، أن بيونغ يانغ استأنفت إنتاج البلوتونيوم ولا تنوي التوقف عن إجراء تجاربها النووية طالما استمرت واشنطن في “تهديدها”، وأوردت وكالة كيودو اليابانية للأنباء، أن معهد الطاقة الذرية الكوري الشمالي الذي يشرف على مجمع بيونغيون، أهم موقع نووي في كوريا الشمالية، استأنف الإنتاج بهدف تصنيع أسلحة وطاقة نووية “كما كان مقررا”.
ولم يستبعد المعهد الكوري الشمالي إجراء تجارب نووية أخرى بعد أن “نجح في تقليص الأسلحة النووية وتخفيفها وتنويعها”، وأضاف المعهد أنه “طالما استمرت الولايات المتحدة في تهديدنا بأسلحة نووية، فلن نوقف التجارب”، وبإمكان مجمع بيونغ يانغ حين يعمل بكامل طاقته، أن ينتج نحو ستة كيلوغرامات من البلوتونيوم سنويا وهي كمية كافية لإنتاج قنبلة نووية واحدة أو اثنتين.
الرد الكوري الجنوبي
بعد التصعيد الشمالي، ردت كوريا الجنوبية على طريقتها؛ حيث أعلنت سول الخميس الماضي، عزمها إجراء أكبر تدريبات مدفعية من نوعها قرب الحدود مع كوريا الشمالية؛ لإظهار عزمها على الانتقام ضد استفزازات بيونغ يانغ المستقبلية.
وجاء في بيان الجيش الكوري الجنوبي “نحو 300 قطعة مدفعية من 49 كتيبة مدفعية من المرجح أن تشارك في مناورات بالذخيرة الحية، والتدريبات ستنطلق بعد ظهر غد، تتضمن طراز (K-55) و(K-9) من قطع مدفعية ذاتية الدفع”.
وبحسب مصادر رسمية، فإن التدريبات جرت أول أمس، أي قبل يوم واحد للذكرى السنوية الأولى لقصف كوريا الشمالية لمناطق الجنوب المنزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين، ففي 20 أغسطس من العام الماضي، أطلقت كوريا الشمالية عدة قذائف مدفعية باتجاه وحدة الجيش في خط المواجهة الكورية الجنوبية في يونتشيون، على بعد 62 كيلومترا إلى الشمال من سول، لترد بدورها بإطلاق 29 قذيفة باتجاه الجانب الكوري الشمالي من المنطقة المنزوعة السلاح كرد انتقامي.
واشنطن في رسائل بيونج يانج وسول
ورغم تلويح سول بالتدريبات العسكرية، لكن يبدو أن بيونج يانج لا تكترث للأمر؛ فقبل التدريبات الجنوبية، هددت بيونج يانج واشنطن، داعم كوريا الجنوبية في رسالة مباشرة بتدمير جميع قواعدها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادي إذا ما أقدمت على نشر قاذفات استراتيجية في جزيرة غوام غرب المحيط.
وجاء في بيان عن وزارة الخارجية الكورية الشمالية نشر الخميس الماضي، ونقلته “إنترفاكس” الروسية: “قعقعة الأمريكيين بسلاحهم، لا تهدف إلى توجيه ضربة نووية مباغتة لكوريا الشمالية فحسب، بل إلى تطبيق استراتيجية خبيثة ترمي إلى ردع روسيا والصين في منطقة آسيا والمحيط الهادي والحفاظ على التفوق الأمريكي هناك”، وأضاف البيان أن جميع القواعد الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادي بما فيها الكائنة في غوام، لن تفلت من التدمير.
واعتبرت وزارة خارجية بيونغ يانغ أن خطط الولايات المتحدة الرامية إلى القضاء على كوريا الشمالية، دخلت مرحلة خطرة على خلفية خطط نشر واشنطن مجموعة من القاذفات الاستراتيجية في جزيرة غوام، وأضافت الوزارة: “تعكف الولايات المتحدة وبشكل دائم على نشر قاذفات القنابل الذرية في شبه الجزيرة الكورية، كما تستقدم الغواصات المزودة بالصواريخ النووية، وغير ذلك من الأسلحة الاستراتيجية، حتى أعلنت مؤخرا عن نصب منظومة ثاد للدفاع المضاد للصواريخ في كوريا الجنوبية”.
التصعيد المطرد في الحرب الباردة
رغم أن النزاع مازال في إطار الحرب الباردة حتى اللحظة، إلا أن لغة السلاح أخذت حيزا لا بأس فيه بين البلدين، إما من خلال المناورات أو التجارب الصاروخية والنووية، واشتد التوتر بين مع تسجيل انشقاقات متتالية وبث رسائل مشفرة إلى جواسيس وتكثيف الدعاية المعادية بين الكوريتين، ووصلت الانشقاقات إلى مستويات رفيعة؛ بانشقاق المسؤول الثاني في سفارة كوريا الشمالية في لندن تاي يونغ-هو، الذي قدم لسول.
وقال الخبير في شؤون كوريا الشمالية في جامعة دونغوك، كيم يونغ-هيون، إن العلاقات بين الشمال والجنوب لم تكن متوترة إلى هذا الحد منذ فترة الحرب الباردة في السبعينيات.
وعندما تدهورت الأجواء بشكل حاد بعد التجربة الرابعة لكورية الشمالية في يناير، أغلقت بيونغ يانغ خطي الاتصالات اللذين كانا مفتوحين مع الجنوب، وفي يوليو الماضي، قطعت كوريا الشمالية إحدى آخر القنوات التي كانت لا تزال قائمة مع واشنطن، فأوقفت كل اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية عبر البعثة الكورية الشمالية في الأمم المتحدة.
ومن مظاهر الحرب الباردة، استئنافت بيونج يانج بث رسائل مشفرة عبر الإذاعة الرسمية، توحي من خلالها أنها تتوجه إلى عملائها الناشطين في الجنوب؛ فمنذ حوالي عشرين سنة، لم يعد أحد يسمع هذه الرسائل على الموجة القصيرة، التي اعترضتها الاستخبارات الكورية الجنوبية في منتصف يونيو الماضي، وتتكون من سلسلة أرقام ترددها مذيعة طوال دقائق.
ويبدو أن التجربة النووية الكورية الشمالية في يناير الماضي، بددت الآمال في الحوار، حيث أدت إلى فرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ وإقفال مجمع كايسونغ الصناعي، آخر مشروع التعاون بين الكوريتين.
وباتت وسائل الإعلام الرسمية الكورية الشمالية تزايد في انتقاداتها للرئاسة كوريا الجنوبية، حيث وصفت بيونج يانج رئيسة كوريا الجنوبية، بارك جيون هى، الأربعاء الماضي، بأنها «مختلة عقليا»، بعد خطابها التي أدانت فيه الطموحات النووية لبيونج يانج ودافعت عن نشر الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ في بلدها، الأمر الذي ينذر بتطورات خطيرة لمرحلة الحرب الباردة بين البلدين الذي قد ينقلها إلى مستوي جديد أكثر تعقيدًا.