“القمامة”.. كابوس يؤرق جميع الدول العربية، فلم تنج منه دولة مهما تقدمت، ولم يفلت من مخاطره مسئول مهما كان منصبه، فأصبحت أزمة القمامة صفيحًا ساخنًا يجلس عليه المسؤولون، فبإمكانه أن يطيح بالبعض ويأتي بآخرين، لكن الكارثة عندما تندلع من صناديق القمامة الثورات والمظاهرات التي يروح ضحيتها العشرات بل المئات.
ورغم ذلك، لم يتوقع الكثير أن يعاني سكان “ست الدنيا” من النفايات والزبالة المنتشرة في شوارع “بيروت” أكبر مدن لبنان وعاصمتها الملقبة بـ”باريس الشرق”، ليخرجوا بمظاهرة سلمية، مساء أمس السبت، تلبية لدعوة حركة “طلعت ريحتكم” التي تضم ناشطين في المجتمع المدني، حيث تجمعوا في ساحة رياض الصلح قرب مبنى مجلس النواب، وانطلقوا بالشعارات المناهضة للحكومة.
المظاهرة التي تزعمها نشطاء المجتمع المدني الرافضين لسياسة الحكومة اللبنانية التي فشلت في إيجاد حل لأزمة انتشار الزبالة في الشوارع، بدأت سلمية بوسط بيروت لكن مالبثت أن خرجت عن طابعها السلمي؛ حيث حاول المتظاهرون اجتياز السياج الشائك للوصول إلى السراي الحكومي، وطالبوا بإقالة الحكومة، فردت القوى الأمنية بالقنابل المسيّلة للدموع وإطلاق الرصاص الحيّ، ما أسفر عن وقوع عشرات الإصابات بين المتظاهرين والعناصر الأمنية.
وزير الداخلية اللبناني، جهاد المشنوق، أعلن نيته محاسبة كل من أعطى الأوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، بعد أن استنكر السياسيون اللبنانيون رد فعل القوى الأمنية.
وكانت حركة “طلعت ريحتكم”، نظمت تظاهرات عدة في الأسابيع الأخيرة، سعيًا إلى حل شامل لمشكلة جمع النفايات، وبدأت الأزمة منتصف يوليو مع غلق مكب الناعمة خارج العاصمة اللبنانية، ورمي النفايات رغم استئناف جمعها بعد أيام عدة، في مساحات فارغة هنا وهناك بسبب غياب المصبات، ولم ينجح البرلمان اللبناني المشلول الحركة والمنقسم في التصويت على قانون مناسب، وأصبح مكب الناعمة، الذي يفترض أن يستقبل مليوني طن من النفايات، يحوي 15 مليون طن.
وفي مؤتمر صحفي عقده رئيس الحكومة اللبنانية، تمام سلام، الأحد، لشرح ما حدث، قال إن المؤسسات المالية العالمية على وشك تصنيف لبنان دولة فاشلة، مؤمدًا أن ما يحدث في بلاده هو تراكم لقصور وغياب يعيشه لبنان منذ مدة طويلة، مضيفًا “نحن نمر بلحظات عصيبة وعلينا تحمل المسؤولية”.
وشن “سلام” هجومًا على السياسيون اللبنانيون، حيث قال: “لدينا نفايات سياسية أكبر من النفايات الحالية والقوى السياسية تتحمل جميعها المسئولية عمل يحدث”، مشيرًا إلى وجود استغلال سياسي كبير لما حدث من احتجاجات.
وأوضح أنه من حق اللبنانيين التعبيرعن آلامهم بأي طريقة، ولكن لا يوجد حلول عجائبية أو سحرية، ووجه حديثه للمتظاهرين “لن أقبل بأن أكون شريكًا في انهيار الدولة من خلال مزايدات رخيصة والخيار مازال أمامي للاستقالة، إذا نفذ صبركم فأنا معكم في أي تحرك؛ لأنه لا يمكنني لوم المواطنين مقارنة بما يقوم به السياسيون “.
وأكد أنه من حق الشعب محاسبة الحكومة في ظل غياب مجلس النواب، وأن إطلاق النار على المتظاهرين لن يمر دون محاسبة المسؤولين، مضيفًا أنه سيتم إيقاف رواتب العاملين في القطاع العام سبتمبر المقبل.