يتكدس ركاب في الحافلة المتجهة إلى القدس بعد حاجز قلنديا المكتظ دوماً بالسيارات العابرة نحو طريق أريحا وأخرى نحو نابلس، أما السيارات الداخلة للقدس فإنها تمر عبر مسرب يخضع للتفتيش، فبعد مرور الداخلين إلى القدس المحتلة من الحاجز سيراً على الأقدام عبر ما يسمى بالمعاطة، وهي قضبان معدنية تدور بعد أن يضغط عناصر الاحتلال على زر ويفرغ كل عابر ما بحوزته من أغراض في سلة بلاستيكية يضعها في جهاز فحص، ويبرز بطاقته الشخصية أو تصريحه من وراء زجاج لأفراد الاحتلال في غرفة مغلقة. ففي هذا المكان لا يوجد أي احتكاك مع أفراد الاحتلال خشية عمليات الطعن. وبعد الدخول هناك حافلات وسيارات تنقل الركاب نحو القدس مروراً ببيت حنينا وشعفاط، وعلى اليمين هناك مدرج مطار قلنديا القديم فالاحتلال منذ سنة 1974 وضع مشروع القدس الكبرى، وضم إليه مناطق تقع حتى حدود رام الله مرورا بقرية قلندية المواجهة للمخيم الذي يحمل اسمها، وكفر عقب ونصف الرام، فالمشروع يشكل ما نسبته 10 في المئة من مساحة الضفة ويمتد حتى الخان الأحمر على طريق أريحا وبيت لحم وبيت جالا، ويتعمق حتى قرية حزما إلى الشمال الشرقي. ويعتبر الاحتلال مستوطنة معاليه أدوميم جزءاً من هذا المشروع، وهي مثل غيرها من المستوطنات داخل وخارج القدس أحياء تابعة للقدس، فالاحتلال يتعامل مع القدس المحتلة وفق مشروعين استيطانيين، الأول القدس الكبرى أي التي تضم ما نسبته 10 في المئة من مساحة الضفة، والثاني القدس الأصغر أي بمساحة 72 كيلومتراً مربعاً بعد أن كانت مساحة القدس المحتلة 6 كيلومترات فقط، فالمخطط الاستيطاني يتأرجح بين هذين المشروعين اللذين غيرا المعالم الجغرافية والديموغرافية للمدينة المقدسة في إطار التطهير العرقي للمدينة التي تعرضت منذ 15 سنة لتفريغها من مؤسساتها الوطنية وإغلاقها بدءاً من بيت الشرق حيث كان يمارس الراحل فيصل الحسيني نشاطه. وتم نقل الكثير من المؤسسات إلى خارج المدينة تحت ضغط الاعتقال والإغلاق، حيث بات ثلث سكان القدس يعيشون خارجها بفعل الجدار الذي فصلهم عن مدينتهم.
وعند باب العامود خفف الاحتلال من تواجد قواته بشكل كبير، لأن كثافة تواجده أدت إلى نتائج عكسية، حيث إن كثرة عناصره تحفز على عمليات الطعن، واكتفى بثلاث دوريات، الأولى على يمين السلم الذي ينزل نحو باب العامود، والأخرى على يساره ودورية ثالثة عند الباب، ومنع الاحتلال المقدسيين من الجلوس عند باب العامود، لكنهم تحدوا ذلك بالتواجد بكثافة. ورغم تضييق الاحتلال إلا أن أسواق البلدة القديمة تعج بالحياة والسياح، وقل وجود اليهود إلا في المنطقة المحاذية للمسجد الأقصى عند البوابات التي تؤدي إلى حائط البراق، وحيث توجد بؤر استيطانية ومراكز لشرطة الاحتلال بكثرة. وعندما تجلس لتناول القهوة في مقهى الباسطي، اقدم مقهى في المدينة، تجد ثلاثة جنود أمامك عند «الهوسبيس» وهو مقر نمساوي قديم كان في فترة من الفترات مستشفى يقدم خدماته للسكان، وأمام هذا المقهى حدثت أول عملية طعن في القدس، ومع تكثف وجود قوات «إسرائيلية» في المنطقة زادت العمليات فسحب الاحتلال أغلب عناصره.
ولا توجد حتى الآن سياسة فلسطينية أو عربية تجاه القدس المحتلة، بينما يعرف الاحتلال أهدافه وينفذها، فالمدينة لا تحظى بالاهتمام الكافي، وهي ما زالت عرضة للنهب والاستيطان، سواء داخل السور أو خارجه، فالتكثيف الاستيطاني لا يتركز على منطقة من دون أخرى، فهو في الشرق والشمال والجنوب. فالأوضاع في المدينة تتراجع اقتصادياً واجتماعياً وسياحياً، ويفرض الاحتلال قيوداً على المصلين، ويبعد النشطاء عن محيط البلدة القديمة حتى لا يعتكفوا داخل المسجد الأقصى دفاعاً عنه، في وجه الاقتحامات اليومية للمستوطنين التي باتت شبه يومية. ولا تسمع من أفواه المقدسيين سوى الحديث عن القمع اليومي، وهدم المنازل، أو الاستيلاء عليها، وأصعبها إجبار صاحب البيت على هدم منزله بنفسه، وإلا دفع أجرة الهدم إذا هدمته جرافات بلدية الاحتلال بمبلغ يزيد على 15ألف دولار، فالاحتلال يرفض ترخيص البناء العربي، وقد تستمر إجراءات الحصول على ترخيص عشرين سنة وتبلغ قيمة رسوم الترخيص اكثر من تكاليف البناء نفسه. ورغم الانتفاضة التي بدأها المقدسيون بالسكاكين دفاعاً عن مدينتهم وأدت إلى اعتقال المئات منهم، إلا أن الكيان استغل الأحداث للاستفراد بالمدينة والتنكيل بأهلها ضرائبياً واقتصادياً، فيشعر السكان كأنهم مخذولون، فلا أحد يدعم صمودهم ويخفف من معاناتهم في رباطهم ضد الاحتلال.
0 2 دقائق