صوتت حكومة الاحتلال على تأجيل موعد إطلاق سلطة البث العام الجديدة حتى عام 2017، والذي كان مقررًا في شهر سبتمبر المقبل، الأمر الذي فسرته أوساط صهيونية بأنه محاولة من رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بينيامن نتنياهو لإيجاد سبل للحد من استقلالية الإعلام.
هيئة البث الجديدة
في عام 2014 مرر الكنيست قانونًا، يتم بموجبه دمج الإصلاحات المنشودة لسلطة البث الإسرائيلية التي تعاني من ضائقة مالية في خطة؛ لتشكيل هيئة بث جديدة، وكان ذلك بدعم من وزير الاتصالات آنذاك غلعاد إردان ونتنياهو، الذي يشغل حاليًّا منصب وزير الاتصالات.
ومن المقرر أن تتولى الهيئة الجديدة مسؤولية عروض البث العام الحالية وتوسيعها، بما في ذلك القنوات الإذاعية والتليفزيونية التابعة لسلطة البث الإسرائيلية.
وما يميز الهيئة الجديدة أنها معفية من قوانين الرقابة التي تنطبق على معظم الهيئات العامة، ما يحد بشدة من قدرة السياسيين على تعيين كبار موظفيها أو التدخل في مضمونها، الأمر الذي أثار مجموعة من العواصف الكلامية داخل المجلس الوزاري.
أسباب التأجيل
قال نتنياهو مبررًا محاولته تأجيل موعد إطلاق هيئة البث العام، بأن طاقم العاملين في الهيئة غير مستعدين لوجستيًّا لإطلاقها في خريف 2016.
في المقابل قال الداد كوبلنز، المدير العام لهيئة الإذاعة والتليفزيون العامة الجديدة “إن الهيئة على استعداد لبدء البث في 30 سبتمبر القادم”، مشددًا على أن “التأجيل الحالي هو مدمر للإذاعة العامة”.
وهاجم نواب من اليسار واليمين، من ضمنهم وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي يرأس حزب “البيت اليهودي”، التأجيل، واعتبروا أنه يهدف إلى خلق حالة عدم يقين بشأن إنشاء المؤسسة من أجل إضعافها.
خلافات “سلطة البث” تهدد الائتلاف الحكومي
يشهد الائتلاف الحكومي الصهيوني مؤخرًا خلافات حادة بين حزبي “الليكود” برئاسة نتنياهو، و”البيت اليهودي” برئاسة وزير التربية التعليم نفتالي بينت، على خلفية محاولات نتنياهو الاستحواذ على وسائل الإعلام، وسلطة البث العامة، وتأجيل الإعلان عن سلطة البث الجديدة، الأمر الذي من شأنه أن يضمن له السيطرة على وسائل الإعلام وإخضاعها للمستوى السياسي.
ووصل الأمر بين نتنياهو وبينت إلى تبادل الاتهامات الإعلامية بشكل علني، حيث كتبت صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم الأربعاء، أن وزير التعليم الإسرائيلي ورئيس البيت اليهودي نفتالي بينت يعمل على عرقلة قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تأجيل إقامة هيئة الإذاعة والتليفزيون العامة لمدة سنة ونصف.
في المقابل اتهم الحزب الحاكم “الليكود” وزير البيت اليهودي، بينت، ووزيرة القضاء الصهيوني إييلت شكيد، بـ “حفر أنفاق تحت سلطة الليكود”، ودفع مصالح “يديعوت أحرونوت”، وقال نتنياهو بأنه يدرك رغبة بعض السياسيين في “كسب ود جهات محددة بالمنظومة الإعلامية، من خلال مساعدتهم في ترسيخ احتكارهم لسلطة البث العامة، بحيث يملون على الجمهور ماذا يسمع، وماذا يشاهد”.
وحول وصف بينت لنتنياهو بأنه “يطلق الرصاص داخل ناقلة الجند”، أي صوب “الائتلاف الحكومي”، ردت مصادر بحزب “الليكود” بأن “الوزير بينت لم يعد منذ زمن طويل داخل ناقلة الجند تلك”، وأنه انضم إلى شقيقه لابيد، في إشارة إلى رئيس حزب “هناك مستقبل” المعارض، يائير لابيد، متهمين إياه بالعمل على غلق صحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من حزب “الليكود” من أجل التقرب لصحف منها “يديعوت أحرونوت” وغيرها.
نتنياهو وتمسكه بوزارة الإعلام
في الوقت الذي اتهم فيه زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ رئيس حكومة الاحتلال بالسعي ليصبح “فيدل كاسترو الإسرائيلي”، وذلك بتحويل يديعوت أحرونوت إلى يديعوت نتنياهو، وتحويل إذاعة الجيش إلى إذاعة نتنياهو.
دافع نتنياهو عن موقفه من تأجيل هيئة البث العام بالقول إنه يحاول فتح السوق للمنافسة وليس للسيطرة على وسائل الإعلام، ولكن الأمر الذي أظهر تعنت نتنياهو تجاه الإعلام هو قراره، الاثنين الماضي، الاحتفاظ بحقيبة وزارة الاتصالات، وبرر ذلك بأنه الوحيد القادر على الصمود أمام ضغط الإعلام.
ويرى مجموعة من النقاد الصهاينة، ومن بينهم الكاتب ناحوم بنرياع، أن دخول نتنياهو إلى هذا الملف بشكل فظ يندرج تحت طريقتين لقمع وسائل الإعلام: الأولى طريقة أردوغان، والثانية طريقة برلسكوني. فأردوغان يسيطر بقوة الدولة على وسائل الاعلام، ويمنع الحصول على المعلومات، وبرلسكوني يقوم بفتح وسائل الإعلام وعشرات المحطات التافهة التي لا تبث أي شيء ذي قيمة، وهو يسمي ذلك منافسة حرة، ولكن نتنياهو جمع بين الطريقتين.
انقسامات داخل الليكود
رغبة نتنياهو في السيطرة على الإعلام ظهرت من خلال كلام العضوة في حزب الليكود، ميري ريغيف، والتي تطالب المسارح والمؤسسات الثقافية التي تحصل على دعم حكومي بالولاء للحكومة، متسائلة “ما فائدة هذه الهيئة إذا لم نكن نتحكم بها؟ على وزير الاتصالات نتنياهو التحكم فيها، هل سنقوم بوضع مال فيها، وبعد ذلك سيقومون ببث ما يحلو لهم؟”، كما طالبت ريغيف بمنح نتنياهو صلاحيات تعيين كبار الموظفين في اتحاد البث الرسمي.
تصريحات ريغيف استفزت وزيرة المساواة الاجتماعية، غيلا غمليئيل، وهي عضوة أيضًا في حزب الليكود، ما دفعها للقول “بمجرد أن تدعي أننا في النظام العام نقوم بتشكيل هيئة عامة، وبأننا نحن، كحكومة، علينا السيطرة عليه، من المخيف التفكير بأن هذه الأشياء تُقال في هذا اليوم وهذا العصر”.
ولم تتوقف النزاعات داخل الليكود عند هذا الحد، فرئيس الائتلاف الحاكم ديفيد بيطون يسعى إلى تشريع قانون لإلغاء اتحاد البث الرسمي قائلًا: “تشاورت مع نتنياهو وهو يعارض إلغاء اتحاد البث الرسمي، ولكنني أيضًا عضو كنيست ولديَّ مواقفي، وهناك وزراء من الليكود يدعمون موقفي، ومعظم أعضاء الكنيست كذلك. رئيس الحكومة عليه أن يصطف في الصف إلى جانب الليكود”.
ويرى مراقبون أنه ورغم أن الائتلاف الحكومي لم يعد يستند إلى أغلبية صوت واحد، إلا أن خروج “البيت اليهودي” منه يعني إسقاط الحكومة.
في المقابل قلل آخرون من شأن الخلافات حول “هيئة البث”، فأطراف حزبية خرجت من الحزبين “الليكود” و”البيت اليهودي” لتعلن أنه رغم ما حدث إلا أنه لن يتم فض الشراكة.