تحول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من العدو إلى الصديق المقرب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأمر الذي ينم عن تغير كبير في استراتيجية الرئيس التركي قد يصل إلى حد وصفه بالازدواجية، ومع هذه التغيرات الكبيرة يأتي الحديث عن أول قمة روسية إيرانية أذربيجانية، قد تحلحل الأزمة الأرمينية الأذربيجانية وتغير خريطة التحالفات في المنطقة.
أنقرة تغازل روسيا
اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الأحد أن مشاركة روسيا مهمة جدًا في حل الأزمة السورية ولا يمكن تسويتها بدون جهود موسكو، وأكد أردوغان قبيل توجهه إلى موسكو، أنه بدون مشاركة روسيا من المستحيل إيجاد حل للقضية السورية، وقال: فقط وبالتعاون مع روسيا نستطيع وضع حل سياسي للأزمة السورية، وأضاف: هذه الزيارة ستكون تاريخية، بداية جديدة، وأنا على ثقة من أن المحادثات مع صديقي فلاديمير ستفتح صفحة جديدة في علاقاتنا الثنائية، وأعتقد أنه أمام بلدينا الكثير لنعمله سويًا.
في ذات الإطار، اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن تطبيع علاقات بلاده مع روسيا عامل مهم لاستقرار بلاده والمنطقة، وأضاف أن أبواب الحوار مفتوحة مع الجانب الروسي رغم اختلاف الآراء، مضيفًا أن أنقرة خطت نحو تعزيز العلاقات الثنائية على كل المستويات وتفعيل آليات مشتركة بينهما.
تصريحات الرئيس التركي الذي طالما فاجأ العديد من المراقبين والمتابعين لسياسته المتقلبة، ووزير خارجيته، جاءت في الوقت الذي يتم فيه التحضير للقاء مرتقب بين الرئيسين بوتين وأردوغان، إذ من المقرر أن يلتقي الرئيسان في مدينة بطرسبورغ الروسية، غدًا الثلاثاء، في أول زيارة خارجية يقوم بها أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو الماضي، وأول لقاء بين الرئيسين بعد حادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية في نوفمبر 2015.
أعلن مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أن الرئيسين التركي والروسي سيبحثان قضايا استئناف صادرات الغذاء التركية إلى روسيا، كذلك سيناقشان استئناف الرحلات السياحية الخاصة “الشارتر” وإمدادات الغاز الروسي عبر خط أنابيب السيل التركي لنقل الغاز، وتطبيع العلاقات الثنائية وتكثيف الجهود لتسوية النزاع السوري بالوسائل السياسية.
قمة باكو.. تقريب السياسات
تعقد اليوم الاثنين، في العاصمة الأذربيجانية باكو، قمة ثلاثية بمشاركة الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، والأذربيجاني إلهام علييف، ومن اللافت أن هذا الاجتماع الثلاثي هو الأول بهذه الصيغة التي اقترحها الرئيس الأذربيجاني خلال مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي في فبراير الماضي، حيث قال مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، إنه أول لقاء ثلاثي على مستوى رؤساء الدول الثلاث، وتابع أن ضرورة إجراء المشاورات بهذه الصيغة، بات واضحًا للجميع، مضيفًا أن روسيا وإيران وأذربيجان تواجه قضايا متشابهة في مجالات الاقتصاد والأمن ومواجهة الإرهاب.
أكدت مصادر قريبة من الاجتماع الثلاثي أن الوضع في الشرق الأوسط وأفغانستان سيكون في صلب اهتمام القمة الثلاثية، وكان الرئيس الروسي قد أكد في مقابلة مع وسائل إعلام أذربيجانية قبل القمة أن هاتين المنطقتين تحولتا إلى بؤرتين لعدم الاستقرار تشكلان مصدرًا للإرهاب الدولي والجريمة العابرة للقارات، كما أكد الكرملين عشية القمة، أن بوتين سيقترح على نظيريه تكثيف تبادل المعلومات حول أنشطة التنظيمات الإرهابية العابرة للقارات.
من المؤكد أن القضية السورية ستكون حاضرة بقوة أيضًا على الطاولة الثلاثية، كما أن تسوية قضية إقليم قره باغ سيكون حاضرًا أيضًا، حيث يتوقع محللون أن تقترح موسكو وطهران على باكو لعبهما دور الوساطة من أجل تخفيف حدة التوتر في المنطقة التي شهدت تصعيدًا دمويًا للصراع في أبريل الماضي، كما ينوي الجانب الروسي طرح موضوع تكثيف الحوار الثلاثي حول الوضع القانوني لبحر قزوين.
من جانبه أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، أن بلاده تعتزم الإسهام في تمويل مشروع “شمال جنوب” للنقل السككي بين الهند وإيران ودول الخليج عبر أذربيجان وروسيا، ومنها إلى شمال أوروبا وغربها، والذي سيمتد على مسافة 7,2 ألف كم ليربط بلدان شمال أوروبا وجنوب شرق آسيا عبر السكك الحديدية الأذربيجانية والإيرانية والروسية، وقال: من المزمع أن تنتهي بلادنا وحتى نهاية العام الجاري من مد سكتها الحديدية في إطار هذا المشروع حتى حدودنا مع إيران، وقد وقعنا اليوم على مذكرة تفاهم لتعجيل إنجاز المشروع ككل، وأضاف أن الجانب الأذربيجاني يعتزم مستقبلًا الإسهام في تمويل هذا المشروع.
يرى مراقبون أن انعقاد القمة الثلاثية بين أذربيجان وروسيا وإيران بالتزامن مع انعقاد قمة روسية تركية، يحمل مؤشرات على حلحلة الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان بخصوص نزاع قره باغ، حيث تدعم إيران وروسيا الجانب الأرميني في النزاع، فيما تدعم تركيا الجانب الأذربيجاني، لكن انعقاد قمة ثلاثية في باكو والاتفاق على مشروع “شمال جنوب” يوحي بوجود نية أذربيجانية لردم الهوة بينها وبين كل من طهران وروسيا، كما أنه يشير إلى أن الرئيس التركي لن يفوت الفرصة في الحديث بشأن هذا الموضوع خلال اجتماعه المرتقب مع الرئيس الروسي بعد القمة بيوم، الأمر الذي يشير إلى تنسيق تركي أذربيجاني حول هذا الأمر، وهنا يأتي السؤال الذي قد تكشف الأيام المقبلة عن إجابته: هل ذوبان الجليد بين روسيا وتركيا قد يغير خريطة التحالفات بين دول هذه المنطقة؟، وهل سنرى تعاونا إيرانيا أذربيجانيا روسيا خلال الفترة المقبلة؟، وهل هذا التعاون سيكون على حساب أرمينيا أم ستتم حلحلة الأزمة الأرمينية الأذربيجانية قبل بدء هذا التعاون؟.