أظهرت معظم الاستطلاعات التي نظمت خلال العام المنصرم التي تناولت مسألة الحرب ضد الإرهاب أن الكثير من شعوب دول الأطلسي تشعر بأن القصف الجوي وحده لا يكفي لمحاربة هذه الظاهرة. ويميل الذين يعبرون بالاستفتاءات والاستطلاعات عن وجهة النظر هذه إلى الاعتقاد بأن تلازم هذا القصف مع إشراك قوات برية في الحرب ضد الإرهاب يعد شرطاً رئيسياً من شروط القضاء على الإرهاب الدولي. هل يعني ذلك أن أصحاب هذا الرأي يؤيدون الزج بقوات برية في المشرق لمحاربة «داعش»؟ في هذه الحال ما هوية القوات المطلوبة؟ هل تكون قوات برية أطلسية؟ وما حجمها؟ وما الهدف من إشراك القوات البرية المقترحة؟ كيف تؤثر هذه الخيارات والسيناريوهات في دول المنطقة؟
إن أكثر الذي شاركوا في الاستطلاعات من المقتنعين بضرورة الزج بقوات برية ضد الإرهاب في سوريا والعراق، يتصورونها محدودة العدد، بطابع نخبوي واستثنائي من حيث القدرات القتالية. أما من حيث الهوية فإنها قوات أطلسية بالدرجة الأولى، ومحدودة من حيث العدد. فلا تشبه إرسال عشرات الآلاف من الجنود، كما حدث خلال حربي الخليج الأولى والثانية. إن فتح الباب أمام حرب جديدة لن يحظى بموافقة الرئيس الأمريكي أوباما الذي أبدى معارضته مجدداً لهذا الخيار خلال نهاية العام الماضي، قائلاً إن هذا العمل سوف يؤدي إلى «انجرارنا إلى حرب مكلفة وطويلة الأمد في العراق، وإذا احتلينا أرضاً أجنبية، فإن «داعش» سوف يستمر في أعماله الإرهابية لسنوات، فيقتل الآلاف من قواتنا ويجفف مواردنا وطاقاتنا».
لقد تمسك أوباما بموقفه المعارض لإرسال قوات أمريكية كبيرة إلى المشرق، ولكنه لم يعارض إرسال بعض الفرق الخاصة
من «الخبراء» و«المستشارين» الأمريكيين إلى العراق وسوريا، كما فعل خلال صيف عام 2014 عندما سمح بإرسال 300 من هؤلاء إلى العراق، لكي ينضموا إلى ما يفوق ال3 آلاف جندي أمريكي، يساعدون القوات الحكومية، في حربها ضد «داعش». وتعمل هذه القوات عادة في إطار العلاقات الثنائية وفي الظل وبعيداً عن مسارات الشرعية الدولية. وفي هذا السياق تضطلع القوات الخاصة بدور مهم ومفصلي في بناء وصياغة التحالفات بين الدول التي تنتمي إليها، وتعمل في إمرتها، من جهة، والدول والقوى الحليفة لهذه الدول، من جهة أخرى.
ينتمي الكثير من المستشارين والخبراء والقوات الخاصة إلى دول الأطلسي الرئيسية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. أما القوى المحلية فإنها لا تصنف بحسب انتمائها الوطني، وإنما وفقاً، لمزيج مركب من الانتماءات، كما يصفها جيمس ف. جيفري، أحد الباحثين الرئيسيين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، والسفير السابق في العراق وتركيا. ويضم هذا الخليط من الحلفاء: قوات محلية من مختلف المستويات، ميليشيات متنوعة، إضافة إلى بوليس محلي، قبائل محلية، وجماعات كردية متعددة، أما العصب الحساس الذي يوجه هذا الخليط من الجماعات والمكونات فسوف يتشكل من قوات النخبة التي يقترح جيفري أن ترسلها واشنطن إلى العراق لمحاربة «داعش» و»النصرة». ويعتقد السفير السابق أن تكوين قوات من هذه الجماعات التي تعمل بإمرة من العسكريين الأمريكيين لن يكون صعباً، وأن العدد الذي تحتاج إليه لقتال «داعش» واستنزافها وتحييدها لن يكون كبيراً.
جدير بالذكر أن هذه الفكرة، أي تشكيل قوات محاربة، حليفة ومحلية، بنواة أمريكية من الفرق الخاصة تتردد في كتابات كثيرة، وعلى ألسنة العديد من الأمريكيين والأوروبيين المعنيين بمحاربة «داعش»، ولكن إن هناك أمرين يلفتان النظر في مشروع التدخل العسكري الأمريكي النخبوي والمحدود الطابع.
الأمر الأول، هو أن أصحاب هذا الاقتراح يستبعدون سلفاً المخاوف التي عبر عنها باراك أوباما حينما حذر من الانزلاق إلى حرب واسعة النطاق، وإلى التصعيد العسكري الذي تفرضه طبيعة الصراع بين الجماعات الإرهابية والقوى المناوئة لها.
الأمر الثاني، هو أنه مقابل الترويج لتحالفات عشوائية لا تستند إلى أساس راسخ لمحاربة «داعش»، يجري تجاهل الدور الذي يمكن أن تضطلع به الجيوش الوطنية العربية المؤهلة لمحاربة الإرهاب. فمصر، مثلاً، تملك القدرة على التدخل في أرض الجوار وخاصة الليبية، ولقد استقبلت الإشارات التي أرسلتها القاهرة إلى العواصم الأطلسية التي أعربت فيها عن استعدادها لدعم مساعي العودة إلى الاستقرار في ليبيا بردود فعل سلبية. وفي لبنان يضطلع الجيش بدور مهم وبارز في محاربة الإرهاب، وإذا توفر له الدعم الكافي بحيث يتمكن من إعادة إحياء قانون خدمة العلم، فبإمكان القوات المسلحة اللبنانية أن توسع نطاق عملياتها ضد الإرهاب. إن اضطلاع الجيوش الوطنية العربية بالدور الحاسم في احتواء الإرهاب ووضع حد له سوف يغني الدول الأجنبية عن التدخل خارج أراضيها، ويغني الدول العربية عن دخول تحالفات وشراكات ضد الإرهابيين الذين يسعون إلى توجيه الاتهامات الباطلة إلى كل من يقف في وجههم.
53 3 minutes read