مرت يوم الثلاثاء، الذكرى الـ 26 للغزو العراقي للكويت. كان ذلك في الثاني من أغسطس العام 1990. تعافت الكويت، لكنّ المنطقة كلها لا تزال تدفع ثمن جنون صدّام حسين وغدره وغبائه السياسي الذي عرفت ايران كيف تستغلّه الى ابعد حدود.
ماذا تفيد الذكرى وهل هناك من يريد الاستفادة منها؟
سقط النظام الذي أقامه صدّام في اليوم الذي قرّر فيه اجتياح الكويت الدولة الصغيرة المسالمة. انتهى نظام صدّام بعد 13 عاماً على قيامه بتلك المغامرة التي عكست جهلاً ليس بعده جهل في التوازنات الإقليمية والدولية في آن.
لم تقدم الولايات المتحدة على احتلال العراق واسقاط النظام فيه الا بعدما تأكدت من انّه لن تقوم للعراق قيامة في يوم من الايّام. انتظرت 13 عاماً قبل دخول بغداد في عهد جورج بوش الابن وذلك من دون حسابات من أي نوع تأخذ في الاعتبار ان الرابح الوحيد من الحرب على العراق سيكون ايران. انها الجار الذي يمتلك حساباً قديما يريد تصفيته مع النظام العراقي ومع العراق نفسه في الوقت ذاته.
كان في استطاعة الجيش الاميركي متابعة رحلته الى بغداد لدى تحرير الكويت في فبراير 1991. امتلك جورج بوش الاب، الذي كانت لديه مجموعة من المستشارين في مستوى جيمس بايكر، وزير الخارجية وقتذاك، والجنرال برنت سكوكروفت مستشار الامن القومي، ما يكفي من الحكمة والفهم لتعقيدات الشرق الاوسط لوقف تقدّم القوات الأميركية عند الحدود الدولية المعترف بها بين العراق والكويت.
المضحك المبكي في ايّامنا هذه امران. الاوّل ان النظام السوري لا يريد ان يتعلّم شيئا من التجربة العراقية. هل هي المدرسة البعثية ذاتها التي تعتبر ان لا مكان في العالم الّا لسياسة الغاء الآخر التي لم يعثر النظام السوري على بديل منها، حتّى عندما يكون الامر متعلّقا بالشعب السوري؟
امّا الامر الثاني المضحك المبكي، فهو انّ الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما لن تكون في حاجة الى تدخل مباشر ولعملية عسكرية كبيرة من اجل الانتهاء من سورية، تماما كما انتهت من العراق. هناك نظام في دمشق ينفّذ كل ما هو مطلوب منه في مجال القضاء على سورية عن طريق تفتيتها بطريقة منهجية. لو لم يكن الامر كذلك، لما استعان النظام في حربه على الشعب السوري بايران ثم بروسيا التي تنسق بدورها مع إسرائيل في شأن كلّ خطوة تقدم عليها في الأراضي السورية.
تأتي معركة حلب الدائرة حاليا لتؤكد ان البعث السوري لم يتعلّم شيئا من تجربة البعث العراقي. تفوّق بشّار الأسد على صدّام. لكنّ ما يجمع بينه وبين صدّام ان كليهما يخدم ايران على طريقته. الفارق الوحيد ان الرئيس العراقي السابق كان يفعل ذلك عن غير قصد. كان يخدم ايران بسبب سذاجته السياسية التي ليس بعدها سذاجة. امّا بشّار، فانّه يسير في هذا الاتجاه عن سابق تصوّر وتصميم من منطلق ايمانه بحلف الاقلّيات الذي سيعود بكل نوع من المصائب على المنطقة ودولها.
كيف يمكن لرئيس النظام السوري تصوّر انّه سيكون في استطاعته في يوم من الايّام العودة الى حكم البلد بعد كلّ ما ارتكبه من جرائم؟ كيف يمكن ان يعود الى حلب يوما متجاهلاً ان في المدينة ومحيطها ما يزيد على 45 الف مسلّح، فضلا عن ان حلب هي بمثابة منطقة نفوذ تركية. سقوط المدينة يعني سقوط تركيا التي لا تزال تعالج نتائج المحاولة الانقلابية التي استهدفت رئيسها رجب طيّب اردوغان.
كلّ ما يستطيعه الأسد هو لعب الدور المرسوم له في مجال تقسيم سورية مناطق نفوذ ليس الّا. لن يستطيع الانتصار يوما في حلب وفي غير حلب. كلّ ما يستطيعه هو خدمة المشروع الايراني والمشروع الروسي والمشروع الإسرائيلي في وقت تجد تركيا نفسها في وضع لا تحسد عليه بعدما تبيّن ان معالجة وضع المؤسسة العسكرية ليس مسألة سهلة بأي شكل.
في حال كان من مغزى لمعركة حلب، فهذا المغزى يتمثّل في انّه ليست لدى أي طرف القدرة على تحقيق انتصار حاسم في سورية. كلّ ما هناك انّ القوى التي تعمل على تقسيم سورية وتفتيتها والانتهاء منها ستخرج منتصرة. سيكون هناك انتصار كبير على الشعب السوري. اليس مثل هذا النوع من الانتصارات ما تبتغيه جماعة «المقاومة» و«الممانعة» التي وضعت نفسها في كلّ وقت في خدمة إسرائيل ومشروع حلف الاقلّيات الذي لم تتردد يوما في دعمه.
رفعت جماعة «المقاومة» و«الممانعة» في الماضي شعار التصدي للمشروع الاميركي في المنطقة. لا يتردد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في ترديد مقولة انّ اميركا هي الخطر على المنطقة. هل لدى اميركا بالفعل مشروعها للمنطقة، ام كلّ ما في الامر ان التحالف الايراني ـ الروسي ـ الإسرائيلي يستفيد من غياب مثل هذا المشروع لتقاسم سورية لا اكثر ولا اقلّ… بعدما فعل كلّ ما فعله بلبنان؟
فعل هذا التحالف فعله الذي بدأت تظهر نتائجه الآن، وذلك منذ ملء ايران الفراغ العسكري الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل 11 سنة وبضعة اشهر ومنذ حصول ذلك التواطؤ مع إسرائيل كي تنتهي حرب صيف العام 2006 بانتصار ساحق ماحق على لبنان واللبنانيين.
بعد تلك الحرب، رفع نصرالله علامة النصر وهو يقف على ما بات اقرب الى جثة اكثر من ايّ شيء آخر… أي على ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانية التي صارت بفضله وبفضل أولياء امره في طهران، جمهورية من دون رأس لا اكثر ولا اقلّ!
المؤسف ان مصيراً أسوأ بكثير من مصير لبنان ينتظر سورية والعراق، حيث مهّد البعثان لتدمير كلّ ما يمكن تدميره في البلدين وصولاً الى ما نشهده هذه الايام من نفوذ إيراني فيهما، في ظل اعتماد الإدارة الأميركية موقف المتفرّج على مأساتين ذهب ضحيتهما شعبان كانا مؤهلين لدور طليعي في تطوير الشرق الوسط كلّه بدل اغراقه في برك الدم…