تبنّى الكنيست «الإسرائيلي» مشروع قانون يقضي بإقصاء النواب في حالة تحريضهم على «العنصرية»، وتأييدهم «الكفاح المسلح» ضد «إسرائيل». والهدف الحقيقي من هذا القانون هو إقصاء الأعضاء العرب من المعارضين لسياسة «إسرائيل» العنصرية من البرلمان، ومنعهم من الانتصار للضحايا، والدفاع عن الفلسطينيين الذين يعانون من السياسات التمييزية والعنصرية.
ويأتي هذا القانون على خلفية جدل واسع أثارته زيارة 3 نواب عرب في الكنيست إلى أقرباء منفذي هجمات فلسطينيين قتلتهم القوات «الإسرائيلية»، ورفضت تسليم جثامينهم إلى أهاليهم. وكان النواب الثلاثة وهم: حنين الزعبي وباسل غطاس وجمال زحالقة، قد تعرّضوا إلى ضغوط مختلفة، وشنّت عليهم أجهزة الدعاية الصهيونية حملة شعواء.
واشترط القانون، إقصاء النواب بعد الحصول على دعم 90 نائباً من أصل 120، أي ثلاثة أرباع أعضاء الكنيست. ولمن يعرف حقيقة تركيبة الكنيست، يدرك أن الحصول على هذا العدد ليس أمراً صعباً، خصوصاً في ظل ارتفاع حرارة الجو العنصري ضد العرب، لدرجة أن مجرد بث الإذاعة «الإسرائيلية»، قصائد لمحمود درويش، وهو نادر الحدوث بسبب الهيمنة الصهيونية على توجهاتها، كان قد أثار ردود فعل رسمية وغير رسمية، ندّدت بتلك الخطوة، فما بالك حين يتعلّق الموضوع بإقصاء نواب يتم اتهامهم بالدفاع عن «إرهابيين» في أعراف وقوانين الدولة العنصرية، وهم مقاومون يستخدمون جميع الأساليب للدفاع عن حقهم في البقاء في وطنهم وفي إلغاء الطابع العنصري التمييزي للدولة حيث يعيشون، كما لا يمكن حرمانهم من أحلامهم في وطن حر ومستقل ودولة فلسطينية عاصمتها القدس، وحق أخواتهم وإخوانهم في العودة إلى وطنهم، وتعويضهم عما لحق بهم من غبن وأضرار.
وكان أول تعليق لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو على القانون قوله: إنه يضع حدّاً للسخافة، وأضاف: إن أولئك الذين يدعمون الإرهاب ضد دولة «إسرائيل» ومواطنيها لا يمكنهم أن يكونوا أعضاء في الكنيست.
جدير بالذكر أن إقصاء النواب يستهدف إقصاء شعب بكامله، إذْ يبلغ عدد السكان الفلسطينيين ما يقارب من مليون ونصف المليون نسمة، وهؤلاء يشكون من التمييز أساساً بأشكاله المختلفة: في المواطنة بجوانبها السياسية والمدنية والحقوقية والقانونية، وفي الجانب الاجتماعي والاقتصادي: العمل والسكن والتعليم والصحة والخدمات، وفي الجانب الثقافي والتربوي، حيث الثقافة الصهيونية العنصرية هي السائدة بصورة رسمية، إضافة إلى التمييز القانوني.
واستهدف الإقصاء الناخبين أساساً لأنهم من يصوّت للنواب العرب، وبالتالي، فإنه استهدف حقهم في التعبير والمشاركة، وهي حقوق أساسية للإنسان وفقاً للشرائع الدولية.
ولهذه الأسباب يمكن القول إن القانون يندرج في إطار القوانين العنصرية التي تستهدف قمع الحريات وإسكات المعارضة المناهضة لسياسات الصهيونية والجرائم التي ترتكبها، والتي ترفض وجود هويّات أخرى بجوارها، حتى وإن كان أصحابها من سكان البلاد الأصليين. ويتزامن ذلك مع ارتفاع وتيرة القتل وأعمال العنف بشكل عام من جانب المستوطنين ضد الفلسطينيين وزيادة نسب التطرّف في مؤسسات «الحكم الإسرائيلي» وخارجه، الأمر الذي سيشكل خطراً حقيقياً على التمثيل السياسي، وسيكون عاملاً من عوامل كبت المعارضة، في ظل طغيان التوجه الصهيوني.
وإذا كانت ثمّة قناعات لدى بعض الأوساط الغربية، بخصوص «ديمقراطية إسرائيل» وإمكانية تسوية سلمية شاملة مع «إسرائيل»، فإن مثل ذلك القانون وقبله «قانون الولاء لدولة إسرائيل» وسواهما من القوانين والممارسات العنصرية، يبدّد من تلك الاحتمالات التي تبدو أقرب إلى الأوهام.
ويجسّد هذا القانون محاولة لإملاء رأي ما يسمى «بالأغلبية» السياسية على «الأقلّية»، داخل الكنيست لما يمثّل من انتهاكات فظّة لأسس التشريعات البرلمانية ولمبادىء المساواة، وهو ما تفتقده «إسرائيل»، التي لا تمتلك دستوراً، حتى الآن، لأن أي دستور عصري وديمقراطي يفترض أن يقرّ مبادئ المساواة، كما يفترض تحديد حدودها طبقاً للدستور، وهذا سيمنعها بالطبع من التوسّع وشنّ الحروب والعدوان.
إن تشريع قانون الإقصاء يمثّل درجة عليا من العنصرية التي تعتمدها «إسرائيل» على نحو مبرمج ليس ضد النواب، بل ضد الجمهور الذي انتخبهم، وهو موجّه ضد عرب فلسطين وحقوقهم الثابتة والمشروعة التي يطالبون بها كجزء من شعبهم الموزع في الداخل الفلسطيني وفي الضفة والقطاع، إضافة إلى نحو 6 ملايين فلسطيني في الشتات، من الذين يعملون ليل نهار من أجل حقهم في العودة وتقرير المصير، ومعهم أوساط واسعة من المجتمع الدولي، الذي بات اليوم يعرف حقيقة عنصرية الممارسات «الإسرائيلية».
46 2 minutes read