نون والقلم

«إرجاء» حلب خسّر الأسد ريفيها و«كتائب»

السبب الوحيد لعدم تنفيذ خطة السيطرة على حلب كلِّها التي وضعها النظام السوري والجمهورية الاسلامية الايرانية و”حزب الله” وروسيا كان عودة الاخيرة عن موافقتها عليها، ونصحها حلفاءها بالتخلي عنها أو على الأقل بإرجائها. وكانوا مضطرين الى التجاوب معها إذ من دون التغطية الجويّة التي توفّرها للعملية العسكرية الموعودة تغيب تماماً ظروف نجاحها. أما أسباب الموقف الروسي المذكور أعلاه فكثيرة أبرزها اثنان في رأي القريبين جداً من طهران أنفسهم. الأول اتفاق موسكو وواشنطن على بدء تحرّك يعيد الحياة الى المفاوضات بين النظام ومعارضيه بإشراف أميركي – روسي، ويوفّر أملاً في إمكان التوصل الى تسوية سياسية تنهي الحرب الأهلية الطاحنة باعتبار أن الحسم العسكري لها مستحيل، وتوحّد الجهود الاقليمية والدولية لمحاربة إرهاب “داعش” وأمثاله. والمبادرة الى تنفيذ خطة استعادة حلب عسكرياً يضرب الاتفاق المذكور بل ينهيه. أما السبب الثاني فهو أن القيادة الروسية، وتحديداً الرئيس بوتين، أرادت تلافي وقوع حرب بين تركيا وإيران بسبب حرب استعادة حلب، كما أرادت تلافي التورّط فيها. وذلك أمر لا يمكن استبعاده. فعودة حلب الى سيطرة النظام السوري لا بد أن تدفع رأسه ورئيسه الأسد الى استعادة ريفها بل كل أريافها. كما أنها قد تدفعه الى بدء معركة استعادة جسر الشغور ثم إدلب، ويعني ذلك وصول النظام وقواته المنتصرة الى حدود تركيا. وهي لن تقبل ذلك وسترد عليه بإرسال قواتها الى الأرض السورية للإشتباك مع قوات الأسد وحلفائه. ومن شأن ذلك خلق أجواء تحدّ واستفزاز بين أنقرة وموسكو وبين موسكو وواشنطن، بل بين موسكو وحلف شمال الأطلسي. وعمل واحد مخطّط له أو صدفة خطيرة معينة، يمكن أن يشعلا حرباً اقليمية – دولية واسعة لا أحد يريدها من أطرافها الأقوياء روسيا وأميركا و”الحلف” وتركيا.
هل اقترح المسؤولون الروس على الثلاثي المتحالف الأسد وإيران و”حزب الله” خطة بديلة تعوّضهم عن إلغاء خطة استعادة حلب؟
يجيب القريبون أنفسهم أن ما حصل قد لا يكون إلغاء للخطة المذكورة بل إرجاءً لتنفيذها. ويضيفون أن الروس اقترحوا خطة بديلة تقضي بتوجه “الثلاثي الحليف” لاستعادة مناطق في شرق سوريا من التنظيمات التي تقاتله، إرهابية كانت أو ثائرة، أهمها دير الزور والرقّة. إلا أن هذا الاقتراح لم يكن مهمّاً في رأي الرئيس الأسد وإيران و”الحزب”. فالرقّة مدينة بعيدة وتُعدّ من الأطراف مبدئياً. واستعادتها تحتاج الى جيش جرّار وإلى غطاء جوي كبير وإلى خطوط إمداد بسبب طول المسافة أو بُعدها عن “المركز”. فضلاً عن أنها قريبة من الحدود العراقية. والسيطرة عليها لا تقدّم ولا تؤخّر على صعيد ثبات النظام السوري أو ضعفه. فهو ثابت من دونها وخصوصاً بعد التدخل الروسي. في حين أن حلب وضعها مختلف، إذ أن أستعادتها لا تقوّي النظام فحسب بل تفتح له أبواب الأمل في انتصار حاسم وشامل أو شبه شامل على أعدائه وتعطيه كلمة أساسية عند البحث في مستقبل سوريا مع القوى الاقليمية والدولية والداخلية. فضلاً عن أن التخلي عن خطة حلب تسبّب بخسارة ريفها الشمالي وبوقوع خسائر بشرية كثيرة من “حزب الله” وغيره. وتسبب أيضاً بخسارة ريف حلب الجنوبي ومناطق عدة أخرى. ذلك أن 2000 مقاتل من “جبهة النصرة” تحركوا في اتجاه الريفين وحققوا انتصارات.
قال “حزب الله” رداً على اقتراح دير الزور والرقة الروسي، استناداً الى القريبين جداً من طهران أنفسهم: “نحن لا نمشي بهذا الاقتراح ولن نشارك في تنفيذه. فالمسافة طويلة جداً. والغطاء الجوي سيكون إما ضعيفاً وغير كاف وإما غير متوافر”. أما الجيش السوري فقد قبل الاقتراح ونفّذه وخصوصاً بعدما حصلت قواته على غطاء جوي روسي. وأرسلت قيادته قسماً منه الى مدينة الطبقة تمهيداً للانتقال منها الى الرقة. لكن النتيجة كانت كارثية إذ أبيدت الكتائب التي وصلت الى الطبقة ولم تعد هناك قوات قادرة على متابعة الحملة نحو الرقة. وأثار ذلك طبعاً زعل إيران والأسد بل غضبهما، وبدا أن موقف “الحزب” من البديل لحلب الذي اقترحته روسيا كان صحيحاً وهو عدم الاشتراك فيه لعدم جدواه ولشكوك في نجاحه. وهو كان مبنياً جزئياً على تحليل معلوماتي يفيد أن “النصرة” أخطر من “داعش” الخطير جداً. فالأولى سورية قيادة وبقسم كبير من مقاتليها، في حين أن الثاني عراقي قيادة ومصلحته المحافظة على المناطق الحدودية السورية – العراقية التي يحتلها والمعابر، في حين أن اهتمامه بالأسد أقل ولذلك لم يهجم عليه حتى الآن على الأقل. هل أدركت روسيا خطأها وسببه؟

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى