وقف العالم أجمع مذهولاً أمام هجوم إرهابي على مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، وأصيب بالحادث الإجرامي أكثر من 27 شخصاً، بينهم 10 قتلى وعدد من الجرحى، 3 منهم في حال حرجة، وعُثر على جثة رجل على مسافة كم من موقع الحادث، قيل إنه المهاجم، الذي فضّل الانتحار على تسليم نفسه إلى الشرطة. وقالت الشرطة الألمانية إن المهاجم هو ألماني من أصل إيراني، ويبلغ من العمر 18 عاماً، وقد استخدم مسدساً لإطلاق النار العشوائي.
ويعيد هذا الحادث الإجرامي إلى الأذهان، القاتل النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك، الذي قام بهجوم مماثل في أوسلو، قتل فيه نحو 92 شخصاً في 22 يوليو/تموز 2011.
الشاب الذي تعرّفت إليه الشرطة بعد مصرعه، لم يكن معروفاً لديها من قبل، وليس له سوابق. وقالت إنه كان يتلقى علاجاً نفسياً من مرض الكآبة. أمّا دوافع الهجوم، فهي حتى الآن لا تزال غامضة وغير واضحة، فهل هناك علاقة له بالإرهاب الدولي، سواء بتنظيم داعش أو القاعدة أو غيرهما؟ أي هل تم تجنيد «المهاجم» من جماعات إرهابية؟ أم أن الأمر له علاقة بأوضاع نفسية واجتماعية وسلوكية دفعته لارتكاب هذه الجريمة؟ حتى الآن ليس هناك قول فصل في هذا الموضوع، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث الإرهابي الإجرامي.
ويأتي هجوم مدينة ميونخ بعد أيام من الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيس الفرنسية، يوم 14 يوليو/تموز الجاري، وراح ضحيته 84 شخصاً، كما يأتي بعد أسابيع من العمل الإرهابي الذي أودى بحياة 50 إنساناً في ملهى ليلي بمدينة أورلاندو في الولايات المتحدة في 12 يونيو/حزيران 2016.
وكانت الشرطة الألمانية قد نفت وجود دلائل تثبت تورّط «مسلمين» في حادث إطلاق النار في ميونيخ، وهو ما تردّد في بداية الأمر، ونقلت بعض المصادر أن أحد المسلحين الثلاثة (اتضح أنه واحد) كان قد ردّد عبارة: الله أكبر، وهو يقوم بإطلاق النار، ولم يكن ذلك سوى دعاية سوداء جاهزة واتهامات مسبقة الصنع، يُراد لها توجيه الأنظار والسخط إلى العالم العربي والإسلامي، باعتباره منبع الإرهاب.
وعلينا من باب الاعتراف بالحقيقة القول إن الإرهاب كظاهرة عالمية موجود في كل مكان، وأن العالم العربي والإسلامي، ليس استثناء، ففيه «إرهابيون» وقام هؤلاء بأعمال إجرامية، كما حدث في هجوم 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، أو الهجوم على أنفاق إسبانيا (مدريد) في 11 مارس/آذار 2004، أو تفجيرات بريطانيا (لندن) في 7 يوليو/تموز 2005، أو في الحوادث المتكرّرة في فرنسا، كما حصل الاعتداء على مقرّ صحيفة شارلي إيبدو في باريس 7 يناير/كانون الثاني 2015، وبعدها هجمات باريس الإرهابية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، والتي شملت إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن.
وإذا كان الإرهاب خطراً أخذ يهدّد أوروبا، فإن العالم العربي والإسلامي عانى منه الأمرّين على مدى عقود من الزمان، سواء كان إرهاباً دولياً «حكومياً» أو جماعياً أو فردياً، ولا يزال الشعب العربي الفلسطيني يدفع الفاتورة كل يوم، حيث يعاني الاحتلال والعدوان، ويُحرم من أبسط حقوقه، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره. وما زال العراق يعاني تأثيرات الاحتلال الأمريكي العام 2003، وحتى الآن، حيث بدأ بيض المنظمات الإرهابية يفقس فيه، وخصوصاً تنظيم القاعدة وتنظيم «داعش» وإخوانهما، تلك التي تمتد إلى سوريا، وخصوصاً في الرقة ودير الزور.
ومنذ احتلال الموصل ، فإن الإرهاب اتسعت رقعته وامتدت جغرافيته، ناهيك عن انتشاره بطريقة زئبقية من المشرق العربي إلى المغرب العربي، ومنه إلى الجنوب العربي، ومن ليبيا، مروراً بتونس ومصر، وصولاً إلى عدن وصنعاء. وشهدت المملكة العربية السعودية ثلاث هجمات إرهابية مؤخراً في المدينة المنوّرة والقطيف وجدّة، مثلما تزامن ذلك مع الحادث الإرهابي المروّع الذي شهدته منطقة الكرادة ببغداد.
الإرهاب لا وطن له ولا جنسية ولا لغة ولا دين ولا منطقة جغرافية، إنه يضرب في جميع أنحاء العالم، وأن تجفيف منابعه والقضاء على مصادره، واجتثاث جذوره، بما فيها الفقر والعنصرية والتمييز بكل أشكاله، وعدم المساواة، يتطلّب، أولاً وقبل كل شيء، البحث في أسبابه ودوافعه.
وبعد كل ذلك، فالإرهاب لا يقتصر على أصوليات «إسلامية» متطرّفة ومتعصّبة، كما تذهب إلى ذلك الدعاية الصهيونية والإمبريالية، بل يشمل أصوليات دينية أخرى، يهودية ومسيحية، وغيرها، وفي جميع المجتمعات والبلدان والأديان والقوميات، وهو ما ينتعش اليوم في أوروبا والغرب عموماً، في موجة العداء للاّجئين والأجانب، بزعم تهديد الحضارة الغربية، حتى قيل إن الإرهابي كان يردّد عبارات ضد الأتراك، وهو يطلق النار. وسواء كان الأمر صحيحاً أو نُسب إليه، فإن ذلك قد يكون وجهاً آخر للإرهاب.
علينا من باب الاعتراف بالحقيقة القول إن الإرهاب كظاهرة عالمية موجود في كل مكان، وأن العالم العربي والإسلامي ليس استثناء
37 3 دقائق