عبد الله عيسى، اسم الطفل الذي توسّل إليهم ورجاهم ، وربما حلّفهم بالله ورسوله الكريم كي يعتقوه، بل إنه، كما نقلت بعض المصادر توسّل إليهم أن يقتلوه بالرصاص وليس الذبح، لكن كلماته، كما يبدو، زادت من تعطشهم للدم، وكان «الذابح» يتحسس وجه عبد الله الناعم كأنه يتحسس شاة سيذبحها يوم العيد تقرّباً إلى الله، ويقوم بحركات بإبهامه لا يقوم بها سوى مراهق تربى في أزقة أحياء المجرمين، أما الابتسامات التي كانت تظهر على وجوه المجموعة ، فكانت تدل على أنهم كانوا قبل المشهد يتعاطون حبوباً تقضي على أحاسيسهم ووعيهم وإنسانيتهم، ولهذا نفّذوا عملية الذبح كأنهم يذبحون عصفوراً، ويقال إنهم قاموا بتقطيعه، وحمل كل واحد منهم قطعة متلذذاً بالفريسة!!
بعض وسائل الإعلام، وبعد التنديد بالعملية الوحشية، بدأت في بث صور ملفّقة وأخبار ومعلومات تقول فيها إن الطفل عمره 19 عاماً، وإنه مقاتل في صفوف جماعات موالية للأسد، وإن الهزال الذي أظهره كأنه طفل يعود إلى مرض الثلاسيميا. وهذه المعلومات تناقض نفسها علمياً وطبياً، وكأنها تبرر عملية الذبح!!
تنظيم نور الدين زنكي، الذي يصف نفسه بالمعارض المعتدل، شجب العملية ووصف عمل المنفذين بالتصرف الفردي، ووعد بمعاقبتهم وفتح تحقيق بسرعة. ترى، أي تصرّف فردي، وكانوا جماعة فاقدة الوعي والضمير والشهامة والأخلاق، جماعة انحرفت عن الدين والوطنية والقيم والإنسانية وكل قوانين البشر، كان همّها التلذذ برؤية طفل مرعوب لا حول له ولا قوة، يرفرف بين أيديهم كطير جريح!؟ الولايات المتحدة الأمريكية التي تسلّح هؤلاء وتدعمهم طالبت بالتحقيق، حتى إذا صدق المشهد وتأكدوا أن دم عبد الله هو الذي سال، سيتخذون إجراءات قاسية!! وهذا الموقف جدير بالشجب والاستنكار واللعنة أيضاً، هذا الموقف يدل على أن الولايات المتحدة لا تزال تؤمن بوجود معارضة تكفيرية معتدلة يمكنها زحزحة بشار الأسد عن الكرسي، وتقود سوريا إلى بر الأمن والأمان والاستقرار!! وهو إيمان من يرغب في بقاء الواقع على حاله من الفوضى والدموية واللصوصية والعصابات والمتاجرة بمقدرات البلاد والناس. أمريكا قد تعلم أن الواقع الحالي، حيث تسيطر فيه العصابات وتعيش أيام ازدهارها، هو مطلب جميع زعماء التنظيمات التي تعتبر نفسها ثورية أو جهادية، وأي توصّل إلى حل سلمي سيجعلها تخسر سلطتها وغنائمها وتحكّمها بالناس، وسيصبح اللصوص ورجال العصابات وتجار الدم والآثار والأعضاء البشرية عاطلين عن العمل؛ كثيرون يقولون إن أوضاعهم الاقتصادية أفضل بكثير مما كانوا عليه قبل الثورة. والمنطق ذاته ينطبق على مئات المسؤولين المقيمين خارج سوريا، الذين يعيشون حياة الرفاهية والراحة، وعملهم الوحيد هو إطلاق التصريحات، والمطالبة بأمور تبدو مثالية جداً وغير واقعية، لأنهم لا يعيشون الواقع كما هو، ولا أحد ينقل لهم ما يدور بصدق ووطنية وإيمان. ونخشى أن يتعمّد هؤلاء إبقاء الحال على ما هو عليه لإطالة فترة «وظائفهم». لأن جزءاً كبيراً منهم لن يكون في السلطة كما يشتهي بعد التخلص من بشار، وربما لن يعود إلى سوريا بعد أن حصل على جنسية وبيت وراتب.
سوريا ما هي إلا نموذج للخراب، ولأن وسائل الإعلام تسلط الضوء على ما يدور فيها، كون بشار الأسد لم يلق مصير القذافي بعد، ولا يزال في السلطة، فإن كل ما يحدث يلاقي تغطيات إعلامية، خلافاً للساحة الليبية التي أُهملت بعد التخلّص من القذافي، وأصبحت ليبيا كبركان يلقي حممه في مناطق الدولة جميعها، وجعل «داعش» يجد له موطئ قدم ومناصرين، ويجد الثروة الهائلة في النفط الليبي، وحين يتم التخلص من الأسد، سنرى كيف أن الاهتمام بسوريا وشعبها ولاجئيها سينحسر، وستستعر الحرب الأهلية لتحرق ما تبقى من شجر، وتشرّد ما تبقى من بشر، وتهدم ما تبقى من بنايات. وهذه ليست دعوة للإبقاء على الأسد أو نظامه، ولكنها ليست دعوة أيضاً لإبقاء الحال على ما هي عليه، لأن المتضررين كثر، وعلى المجتمع العربي قبل الدولي إيجاد صيغة لوقف هذه الاستباحة لأرواح الناس، فمشهد ذبح الطفل يعكس الكثير، وينبئ بموجة عنف ودم لم تشهدها المنطقة من قبل، وقد تفرغ سوريا من سكانها، وقد تنتقل الشرارة إلى لبنان والأردن، وسيُحشر اللاجئون حشراً بين فكي كماشة، وسيكون الحل هو القتال، أي الاقتتال. فالأردن ولبنان تكادان أن تختنقا باللاجئين السوريين، فكيف إذا اشتعل الوضع أكثر في سوريا ووصل الحريق إلى لبنان والأردن ، لا سمح الله، فإلى أي مكان سيلجأ المشردون من البلدين؟
يجب على جامعة الدول العربية أن تستيقظ وتأخذ زمام المبادرة، وأن تعمل بضمير لإعادة الاستقرار إلى سوريا، إما برحيل النظام، وإما بحكومة وحدة وطنية، أو فترة انتقالية مدروسة، أو القيام بعملية ديمقراطية يُترك فيها للشعب السوري الكلمة الفصل. كما يجب على اللاعبين الرئيسيين أن يحكّموا ضمائرهم قليلاً، وأن ينظروا إلى الكارثة الإنسانية التي تحلّ بالشعب السوري، بعيداً عن المكتسبات السياسية والخطط الاستراتيجية والتحالفات الإقليمية وغيرها.
وعلى الدول الكبرى التوقّف عن استخدام سوريا واللاجئين والشعب كأوراق ضغط لتحقيق انتصارات ومكاسب سياسية واستراتيجية، لقد بلغ السيل الزّبى، وضاقت اليابسة بالمشردين، هؤلاء الذين يفقدون حقوقهم في التعليم والنشأة الطبيعية والصحة والعلاج والغذاء الصحي والمياه النظيفة والإحساس بالأمن والأمان. لقد آن الأوان للتوقف عن المتاجرة بدماء ومصائر الشعوب مهما كانت الدوافع والأسباب.