قلت لكم: إنه صيف ساخن، فهذه ليلة أخرى قضيناها خلف شاشات التلفزيون، نتنقل من قناة إلى قناة، ونلتقط خبراً تلو خبر، ونطالع رسائل التواصل الاجتماعي، نبحث عن أعزاء لنا في ميونيخ، كما بحثنا عنهم في إسطنبول ونيس.
قتل يتبعه قتل، ثم يتبع القتل قتل، ولا تجد النفس المقتولة فرصة لتسأل بأي ذنب قتلت، ولا نجد القاتل لنسأله بأي حق قتل، وأي شيطان اتبع في سيره نحو من قتل.
ميونيخ مدينة ليست مثل كل المدن، بالنسبة لنا نحن أبناء الإمارات هي شيء آخر، هي قطعة منا، ونحن قطعة منها، بيننا مودة ومحبة، تربطنا وشائج لا يعرفها إلا من تجول في شوارعها، كل بيت من بيوتنا له قصة هناك، وذكرى لا تنسى، ذكريات جميلة وإن غلفها الحزن في بعض الأحيان، ذكرى أم رحلت ومازلنا نراها فوق كرسيّ متحرك في ميونيخ، ندفعها بحنان في الطريق إلى المستشفى، ونقف عند باب غرفة العمليات انتظاراً لخروجها، ونتذكر أباً وعماً وابناً وابنة، انتظرناهم وانتظرونا، قلقنا عليهم وقلقوا علينا، فرحنا لهم وفرحوا لنا، وحتى الذين غادرونا هناك نتذكر اللحظات الجميلة معهم في أيامهم الأخيرة.
ميونيخ مدينة حانية، ودودة، تستقبلنا في بداية الصيف بعنوان رئيس في الصفحة الأولى لكبرى صحفها بكلمة «مرحباً» بالعربية، وفي عياداتها ومستشفياتها ومطارها مصليات لا نجد مثلها في البلاد الإسلامية والعربية، متسامحة مع كل البشر، إنسانية لا تفرق ما بين لون أو جنس، ولا تغار من اللغات الأخرى في شوارعها، ولا تنظر بريبة إلى ما يلبس القادمون إليها من ثقافات غير ثقافتها.
عاشت ميونيخ الساعات الأخيرة من يوم الجمعة، والساعات الأولى من السبت تحت ضغط الإرهاب، شخص مجنون أو «ذئب منفرد» أو تابع لتنظيم، لا يهم، فقد روع مدينتنا التي كانت ولا تزال تزرع الأمل فينا بعد يأس، ونحن هنا أيضاً عشنا الرعب عليها وعلى من فيها.
سلام على المدينة الحانية، مدينة الأمل والتفاؤل.
سلام على ميونيخ.