قررت قمة قادة دول حلف الأطلسي، التي عقدت في وارسو (بولندا) يومي 8 و9 يوليو/تموز، الاستمرار في حرب أفغانستان – علماً بأن هذه الحرب أصبحت أصلاً أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. وأقرت القمة مواصلة تمويل قوات الأمن الأفغانية (الجيش والشرطة ) حتى عام 2020. وإضافة إلى هذه التمويلات الضخمة، هناك طبعاً التكاليف الباهظة لنشر قوات أمريكية وأطلسية، إلى جانب آلاف من المدربين، والمتعاقدين وغيرهم.
قبل قمة وارسو بأسبوع، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعلن أنه يتعين على الولايات المتحدة إبقاء 3000 جندي أمريكي في أفغانستان لمدة أطول مما كان متوقعاً. والسبب الحقيقي واضح: الحرب في أفغانستان فشلت، والحكومة الأمريكية لا تطيق الإقرار بذلك. ولكن أوباما أعطى صورة مختلفة، إذ قال:
«إنه لمن مصلحة أمننا القومي، خصوصاً بعد كل ما استثمرناه عبر سنين من دماء وثروات، أن نوفر لشركائنا في أفغانستان أفضل فرصة للنجاح».
هذا هو منطق واشنطن اللاعقلاني. وهل ترون في أي مكان أحداً غير الحكومة الأمريكية يقول إننا لا نستطيع التوقف عن الإنفاق على مشروع لأننا أنفقنا أصلاً الكثير جداً دون جدوى؟. في العالم الحقيقي، الناس الذين يستثمرون أموالاً كسبوها بجهد كبير في مشروع فاشل يفعلون شيئاً يسمى «الحد من الخسائر». الحكومة الأمريكية لا تفعل ذلك أبداً. ألا تكفي 15 سنة من «استثمار دماء وثروات» لضمان «أفضل فرصة للنجاح»؟
أثناء قمة وارسو، أعلن الأمين العام لحلف الأطلسي يانس ستولتنبيرغ أنه بفضل مساهمات إضافية من الدول الأعضاء بلغت مليار دولار، أصبح الحلف قادراً على تأمين ال5 مليارات دولار في السنة التي تعهد بتقديمها للحكومة الأفغانية. وطبعاً بإمكانكم معرفة من يدفع حصة الأسد من هذه المبالغ. نعم، إنهم نحن الأمريكيون. وحسب منظمة الشفافية الدولية (منظمة أهلية دولية تراقب الفساد في العالم وتنشر سنوياً «مؤشر الفساد»)، فإن دافعي الضرائب الأمريكيين يرسلون 3.45 مليار دولار سنوياً إلى البلد الذي يحتل المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر فساداً في العالم – في حين يتصارع الأمريكيون أنفسهم مع البطالة، والأجور الجامدة، والتضخم. ولهذا السبب أنا أقول دائماً إن مساعداتنا الخارجية هي أموال تسرق من الناس الفقراء في الولايات المتحدة وترسل إلى أناس أغنياء في بلدان عبر العالم.
لقد قال أمين عام الأطلسي ستولتنبيرغ في قمة وارسو: «رسالتنا واضحة: أفغانستان لا تقف وحدها. نحن ملتزمون على المدى الطويل». يا له من لطف عظيم أن يلزم سياسي سويدي الأمريكيين بتمويل الحرب في أفغانستان «على المدى الطويل»!.
عندما اقترحت خلال مقابلة تلفزيونية أجريت معي حديثاً أن السياسة الأمريكية المعقولة الوحيدة في أفغانستان ستكون إعادة جميع قواتنا إلى الوطن، سألني مقدم البرنامج ما إذا كنت لا أخشى أن تندفع طالبان لملء الفراغ. فأجبت بأن هذا ما حصل أصلاً. إذ إن حركة طالبان هي الآن أقوى مما كانت في أي وقت مضى. إنها تسيطر على أراض أوسع مما كانت تفعل في أي وقت منذ الغزو الأمريكي في 2001. وعلى الرغم من 15 سنة من التدخل الأمريكي، ومقتل أكثر من 2300 عسكري أمريكي، وإنفاق أكثر بكثير من تريليون دولار، فإن أفغانستان ليست الآن أقرب إلى أن تصبح نموذجاً للديمقراطية مما كانت عليه في ذلك اليوم المشؤوم من سبتمبر/أيلول 2001. إنها سياسة أمريكية فاشلة. وهي أصبحت الآن حرباً بلا هدف. إنها مهمة فاشلة.
يجادل المحافظون الجدد في أمريكا بأن العراق، وليبيا، وبلدان أخرى تدخلت فيها الولايات المتحدة، قد انهارت وغرقت في الفوضى لأن الولايات المتحدة انسحبت قبل الأوان من تلك البلدان. وهذه حجة ثبت دائماً أنها باطلة. فهذه البلدان فشلت وستبقى فاشلة لأنه يصعب جداً أن تنجح. ونحن لا يمكننا إطلاقاً أن نغزو بلداً، ونسقط حكومته، ثم نبني دولة جديدة من نقطة الصفر. مثل هذا المشروع يستحيل تحقيقه، وواشنطن جعلت معظم الأمريكيين يبدون حمقى لأنهم صدقوا كذبتها.
لقد آن الأوان لإنهاء هذه اللعبة والعودة للتمسك بالسياسة الخارجية الحكيمة التي طبقها وأوصانا بها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة: عدم التدخل في شؤون الآخرين.