حين توقفت الحرب لم يجد نصف الجند اقداما يقفون عليها ،والنصف الآخر لم يجد أيادي يصفقون بها «للنصر العظيم «! أما الشعب العظيم فقد اصبحت عظام نصفه مكاحل لعيون القادة الساهرة على مصلحة الوطن والنصف الثاني نكاشات اسنان للذين التهموا الوطن جثة جثة .
العالم يعود الى الغابة بلا قدمين زحفا على بطنه .فقد ضاق الانسان بانسانيته ،عاد الى اوله ،وحشاً آدمياً يأكل غيره .كأن الارض لم تعد تتسع للبشر . فمن اجل حفنة تراب يُقتل الآلاف ، ومن اجل كرسي من خشب يموت الملايين ومن اجل شربة ماء يغرق في الدم آخرون .وبقدرة قادرين على الفتنة يتحول من كان يفرش له البساط الاحمر الى «مخلوع» ، ومن كانت تفتح له المطارات الى مطارد، ومن كان يمشي كالطاووس الى شبه ميت على نقالة الى المحكمة ،ومن وعد الشعب بالحرية الى سجين. بانتحال اسم الشعب جاء هؤلاء الى الحكم و»التصقوا « بالكرسي على صدر الشعب .
فجأة وبتزامن مشكوك فيه يصحو الشعب ويصرخ «الشعب يريد اسقاط النظام»! سقط النظام وسقط الوطن وتشرد الشعب وعادت دول تستجدي المستعمر القديم ان يعود! تجمعت الوحوش في وطننا العربي بدباباتها وطائراتها واستخباراتها ، بداعشها ونصرتها وبمن سرق من الاسلام سماحته واسمه فقتل وذبح وصلب ودمر و..انتحر. ثمة وحوش توراتية في فلسطين تحرق الاخضر ومن اليابس تصنع بنادق وتحفر خنادق بحثاً عن الهيكل المزعوم .
تسلخ لحم الزيتون عن جسد الارض التي انجبته منذ آلاف السنين . تبتلع الارض التي وعدونا بتحريرها شبرا شبرا وتقيم عليها مستوطنة مستوطنة .»لا صلح ،لااستسلام،لا اعتراف»،صالحنا،استسلمنا،اعترفنا ولم نحصل لا على الارض المحتلة ولا على السلام ولا على الكرامة .
من هناك بدأ الانهيار وما الدمار الذي نعيشه اليوم سوى ارتداد لسلام «الخطوة خطوة» و»أُنج سعيد فقد هلك سعيد «! كأننا في سيرك دموي، لعبة دمى لا تعرف من يحركها .الثابت الوحيد هو المتحرك، في السياسة والاقتصاد وحتى في العلاقات .
فثمة من ارتضى ان يكون رصاصة في صدر اخيه ، ومن قبل ان يكون ساعي بريد يحمل رسالة مغلقة حتى لو كانت تحمل امرا بقتله ، وثمة من تتلون مواقفهم حسب مزاج الريح فلم يعد لهم لون ولا طعم فقط رائحة نتنة .انهم الجثث الحية في المقبرة العربية الكبيرة -»الوطن العربي الكبير» سابقاً- كما كانوا يعلمونا في درس التاريخ الكاذب المتغير والجغرافيا الثابتة التي لا تتغير جبالها وانهارها وسهولها وما تغير هو خطوط سياسية سموها حدودا حسب اتفاقيات المستعمر والمحتل والمختل وطنياً. هؤلاء وضعوا الاوطان في جيوبهم الواسعة الممتدة حتى آخر بنك في سويسرا او اميركا او بريطانيا التي لم تعد عظمى .
هم ايضاً عابرون ليسوا مقيمين كالشجر الضارب جذوره في الارض التي ارتوت بعرق الشعب ، خفافيش نهارية لا صقوراً تحلق عاليا وتأبى ان تموت الا في القمم .الجبال بالنسبة لهم مجرد حبال يتنطنطون عليه من حبل الى حبل الى حبل ومن ثم يلتف الحبل حول رقابهم . حبل الكذب قصير ، قالت العرب . لم يصدقهم مكيافيللي فادعى ان «الغاية تبرر الوسيلة « .صدقه الوصوليون والانتهازيون وأولئك الذين جرّوا و يجرّون العالم الى الغابة !