نون والقلم

هل خرجت تركيا من لعبة الإقليم؟!

اثارت استقالة احمد داوود اوغلو من رئاسة الحكومة التركية، ردود فعل واسعة، والغموض احاط بالاستقالة آنذاك، لكن ما كان غامضا بات جليا واضحا اليوم، فالرجل غير مناسب لسياسة تركيا في هذه المرحلة، ولا يستطيع تنفيذها، وهو ايضا، قد يكون اعترض مبكرا على التحولات التي كانت قيد الطبخ في انقرة، ولم يكن امامه الا الخروج. آخر التحولات اشهار رئيس الحكومة التركية الجديدة، نية انقرة، تطبيع العلاقات مع سوريا، ثم بدء الالماح، قبول انقرة بقاء الاسد، لفترة زمنية، وهذه الفترة، وان تم تحديدها، بسقف زمني، الا ان مجرد الاعلان، يعني تراجعا عن شعارات اسقاط الاسد. هذا التحول الاخطر في سياسات تركيا، بعد خمس سنوات، فأنقرة، مذعورة من الاكراد ومن داعش، وفي حساباتها ان اسقاط نظام الاسد، لم يجر ببساطة وسهولة، هذا فوق ان اسقاطه يعني تعظيم سيناريوهات الانفصال الكردي، ومواجهة داعش بشكل اكبر واخطر. لم تأت هذه الحسابات في سياق تركي مجرد عن الاقليم والعالم، وهو السياق ذاته الذي دفع تركيا للتطبيع مع اسرائيل من جهة، واسترضاء الاتراك، والواضح، ان هناك من قرأ المشهد في انقرة بطريقة تقول ان تعقيدات العلاقات مع اسرائيل وروسيا وسوريا، تؤدي الى خسائر اقتصادية وسياسية وامنية جسيمة، وبالتاكيد هناك من وضع لها كلفة حالية، وكلفة اضافية. هذه الكلف، لا تنعزل من جهة اخرى، عن سياسات واشنطن ودول عربية مركزية، باتت تشهد تحولات في المواقف من الملف السوري، دون ان تشهر ذلك صراحة، خصوصا، ان اخطار داعش باتت اكبر من اخطار الاسد، بالنسبة لدول كثيرة، واذا كان هذا صحيحا، فان داعش من حيث تحتسب او لا تحتسب، قدمت الخدمة الاكبر والاجل لنظام الاسد، باثبات اهميته، وخطورة ورثته. هذا يعني في المحصلة، ومن باب حسابات الاقليم والعالم، وليس من الزاوية التركية، ان هناك تراجعات اخرى قد نسمع عنها خلال الفترة المقبلة، فالذي يوحي للاتراك بالتراجع عن موقفهم المتصلب من نظام الاسد، هو ذاته الذي سيوحي لأطراف اخرى. لكننا في غمرة هذه المعالجة لا ننسى ان اعادة التموضع التركي، تعني خروج الاتراك فعليا من لعبة الاقليم، كدولة اقليمية مسلمة، والارجح ان المساحات التي تخليها انقرة، سيقوم الايرانيون بشغلها، حاليا على الاقل، باعتبار ان المعادلة الدولية تميل لمعسكرهم، ولو بمعنى الاضطرار وليس الاختيار، وعلينا ان نتذكر ان اعادة التموضع التركي التي تعني خروجهم فعليا من معادلة الاقليم، لا تعني تكريس ايران حتى امد طويل بديلا في الاقليم، فالذي اخرج الاتراك، سيعود لاحقا ويبدأ بتفتيش الملف الايراني، بغية الحاقهم بالاتراك، وترك كل الاقليم وحيدا بيد الاسرائيليين.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى